أمس الثلاثاء ردت ما يسمى بالمحكمة العليا الإسرائيلية الإلتماس الذي رفعه محامي عائلة الشهيد الفتى ابو خضير مهند جبارة بهدم بيوت المستوطنين الثلاثة قتلة الطفل الشهيد الفتى ابو خضير،وهذا القرار في سياق المحكمة المهزلة التي استمرت أكثر من عامين،كان متوقعاً،حيث جرت المماطلة والتسويف في إدانة المتهمين تارة بان اثنين منهم قاصرين وتارة أخرى بان المتهم الثالث البالغ يوسف حاييم بن ديفيد فاقد لأهليته ويعاني من اضطرابات نفسية..وفي تبريراتها لرفض عملية الهدم تبنت المحكمة العليا توصيات النيابة وموقفها،بأن عملية الهدم تأتي للردع وليس كعقوبة،وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن العليا كما النيابة، اعتبرت بأن هناك اختلافا كبيرا بين قتلة الفتى أبو خضير وبين منفذي الهجمات من الفلسطينيين ضد الإسرائيليين،وأن عمليات الهدم التي ينفذها الجيش ضد منفذي العمليات هدفها الردع ووقف تلك الهجمات
وزعمت العليا أن اليهود لا ينفذون هجمات مماثلة وبذات القدر الكبير، وتردعهم الإجراءات القضائية المتخذة ضدهم،ومن قام بقتل أبو خضير هم قلة ولا يمثلون المجتمع الإسرائيلي،بحسب تبريرات العليا.
هذه الحجج والتبريرات الواهية التي ساقتها المحكمة العليا،برفض هدم بيوت قتلة الشهيد الفتى أبو خضير،رغم أن عملية القتل جرت بدوافع أيديولوجية عنصرية وعن سابق إصرار وترصد،تثبت بأنه لا ثقة في القضاء الإسرائيلي وفي ان يكون في يوم من الأيام عادلاً او منصفا لشعبنا الفلسطيني،فالقضاء الإسرائيلي الذي تترأسه متطرفة ك"شاكيد" طافحة بالحقد على شعبنا الفلسطيني،والذي استخدمت منصبها لسن وتشريع وإقرار العديد من القوانين العنصرية،لا يمكن ان يكون هذا القضاء والمحاكم المتفرعة عنه،إلا في خدمة الإحتلال بمستوياته وأجهزته الأمنية والسياسية وجمعياته التلمودية والتوراتية والإستيطانية،فالقول بأن هذا الفعل او السلوك او تلك الجريمة لا تمثل المجتمع الإسرائيلي تعوزه المصداقية وتكذبه الحقائق والوقائع،فالمجتمع الإسرائيلي منذ عام 1996 وهو يشهد انزياحاً كبيراً نحو اليمين والتطرف،التطرف الديني التوراتي والوطني العلماني،تطرف لا يعترف لا بحقوق شعبنا ولا وجوده،وعندما نتحدث عن الجرائم والقمع والتنكيل بحق شعبنا،نجد هناك سجلاً حافلاً بذلك،فأظن حرق عائلة بأكملها كعائلة الدوابشة جريمة كبرى بإمتياز وأظن عملية اعدام الجندي اليؤر ازاريا للشهيد عبد الفتاح الشريف بدم بارد جريمة هي الأخرى،وكذلك عملية اعدام المربي يعقوب أبو القيعان في قرية أم الريحان،وحرق المدرسة ثنائية اللغة في بيت صفافا،ناهيك عن عشرات الجرائم التي إرتكبتها وما زالت ترتكبها المجموعات الإرهابية اليهودية من مجموعات "همحير" تدفيع الثمن و"لهفاه" و" فتيان التلال" وغيرها من المجموعات الإرهابية الأخرى حيث حرقت واعتدت على الكنائس والأديرة والمساجد والمقابر والممتلكات الفلسطينية من بيوت وسيارات،كما خطت عشرات الشعارات والكتابات العنصرية من طراز الموت للعرب،اخرجوا من أرض "إسرائيل"،وكذلك الشعارات المسيئة للأنبياء والديانتين الإسلامية والمسيحية،وحتى اللحظة جُناتها وأفرادها يسرحون ويمرحون دون حسيب أو رقيب،ويواصلون مسلسلات اعتداءاتهم.
خطف طفل وتعذيبه وحرقه حياً،او حرق عائلة كاملة،جرم لا يستحق أن تهدم بيوت منفذيها،اما بيوت وعائلات الشهداء الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات بحق جنود الاحتلال ومستوطنيه،فعقوباتهم مغلظة وجماعية وتطال أفراد عائلاتهم وأسرهم،وحتى البلد التي يخرجون منها،ولنا في جبل المكبر مثالاً حياً وصارخاً،حيث فرضت عقوبات جماعية بحق كل سكان الحي عبر اغلاق مداخله بالمكعبات الإسمنتية،وعملت كل أجهزة الاحتلال الأمنية والمدنية والبلدية على التنكيل بالسكان،من خلال القيام بحملات ضرائبية متعددة الأنواع،عمليات دهم وتفتيش،مخالفات للسيارات والمحلات التجارية،هدم بيوت وبركسات ومحلات تجارية،مصادرة اغنام ودواجن،إعاقة حركة المواصلات العامة ووصول الطلبة والمدرسين الى مدارسهم والعمال والموظفين الى أشغالهم ووظائفهم،وكذلك صعوبة وصول المواطنين للمشافي والمراكز الطبية وشل الحركة التجارية والإقتصادية في البلدة،وتوزيع عشرات الإخطارات بالهدم للمنازل تحت حجج وذرائع البناء غير المر خص،حتى شملت الإخطارات وفي الإطار الثأري والإنتقامي بيوت قديمة او مبنية من عشرات السنين،او لديها رخص بناء رسمية.
في حين كان الهدم والإغلاق للبيوت من نصيب عائلات الشهداء،وحتى أقاربهم،كما حدث مع معاوية أبو جمل شقيق الشهيد غسان أبو جمل،حيث جرى هدم بيته،وتضررت العديد من المنازل نتيجة هدم بيت الشهيد غسان أبو جمل.وحكومة الاحتلال لم تكتف بعقوبة الهدم،وسحب الإقامات،بل وصلت الأمور كما حصل مع عائلة الشهيد فادي القنبر،الذي نفذ عملية دهس بحق عدد من جنود الاحتلال،في احد المتنزهات الواقعة على قمة جبل المكبر،حد رفع قضايا تعويض مدنية في المحاكم الإسرائيلية من قبل دولة الاحتلال على ورثة الشهيد،زوجته وأبنائه القصر الذين لم يتجاوز اكبرهم من العمر سبع سنوات،تطالبهم فيها بدفع عشرات الملايين من الشواقل للجنود القتلى والمصابين،وهم لم يكتفوا بإحتجاز جثمان الشهيد وسيارته،وصب بيته بالباطون المسلح،وسحب هوية والدته وإقامات عشرة من أقاربه من الدرجتين الثانية والثالثة،واعتقال أشقائه واستدعاء والدته وشقيقاته الى التحقيق،وتوجيه الإهانات لهن،ومنعهم من إقامة خيمة للعزاء،بما يؤشر الى ان العقوبات المتخذه،تعدت العقوبات الجماعية،الى مرحلة الثأر والإنتقام والإذلال،والهدف هنا من رفع القضية واضح،ليس فقط الردع وكسر الإرادة والترهيب والتخويف والإخراج من دائرة الفعل والعمل الوطني،بل هذا العمل يراد منه الحجز على بيوت وممتلكات الورثة لعدم قدرتهم على الدفع تمهيداً للمصادرة،ولربما تصل الأمور الى إقامة بؤر استيطانية مكانها تخلد لذكرى الجنود المقتولين،كما حصل في شارع السلطان سليمان بالقدس،الذي جرى تغييره الى شارع "البطلات" ،تخليداً لذكرى مجندتين قتلتا بالقرب من هذا الشارع.
ولذلك يجب أن لا يتسرب لدينا وهم بأن محاكم الاحتلال،قد تتخذ قراراً الآن او لاحقاً بهدم منازل مواطنين يهود يقتلون مواطنين فلسطينيين،فهذا القضاء وهذه المحاكم الإسرائيلية وجدت لخدمة الاحتلال ودولته ومواطنيه،وليس لخدمة السكان والمواطنين العرب،وتذكروا جيداً ما قاله نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس المتطرف " مائير ترجمان" عقب عملية الشهيد مصباح أبو صبيح في منطقة الشيخ جراح بالقدس،في تشرين اول من العام الماضي،بأن بلدية الاحتلال وجدت لهدم منازل المقدسيين لا بنائها،وطالب بطرد المقدسيين الى غزة،وعلى نفس النغمة قال رئيس بلديته "نير بركات" بانه اذا هدمت مستوطنة "عمونه" المقامة على أراضي فلسطينية خاصة،فإنه سيهدم الآلاف المنازل المقدسية غير المرخصة،وبالفعل هدم عشرات المنازل المقدسية ووزعت بلديته مئات أوامر الهدم الإداري،بحق بيوت العائلات المقدسية.
وإزاء هذا الواقع،ورد قضاة المحكمة العليا،قضية هدم منازل قتلة الشهيد الفتى أبو خضير،من الضروري رفع القضية الى محكمة الجنايات الدولية،لملاحقة دولة الاحتلال على مثل هذه الجريمة النكراء وغيرها من الجرائم المشابهة،وجلب مرتكبيها والقائمين عليها الى المحاكم الدولية لمحاكمتهم كمجرمي حرب على تلك الجرائم.