وصل الردّ فماذا بعد؟

د. عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

كما كان متوقعاً فقد سلمت قطر ردها على مطالب الدول المقاطعة، وقد جاء الرد سلبياً من حيث الجوهر، إذ اعتبر وزير خارجية قطر أن (المطالب غير واقعية)، كما طالب أن تكون الإجراءات "الجديدة" في اطار "القانون الدولي" ما يعكس الطابع السلبي للرد القطري كما يعكس "استعداد" قطر لمواجهة الإجراءات الجديدة على مختلف الصعد.

واضح من خلال هذه الوقائع أننا أمام "عقوبات" جديدة، وربما نكون أمام قرارات حاسمة بعد فترة بسيطة من سريان هذه العقوبات.

ليس مستبعداً أن تظل جهود "الوساطة" قائمة ومن المتوقع أن تبقي الكويت وربما دول أخرى جديدة على هذا الخط في الفترة الفاصلة ما بين بدء سريان العقوبات وما بين يوم اتخاذ القرارات الكبيرة.

الشيء المؤكد الأول، هو أن الجميع وبدون استثناء على قناعة تامة وعلى عزم وإرادة واضحة ليس فيها شك أو مناورة باستبعاد أي انزلاق نحو إجراءات ذات طابع عسكري.

والسبب الأول والأخير في استبعاد الإجراءات ذات الطابع العسكري هو الموقف الأميركي والأوروبي والإسرائيلي بالتوافق التام والعام وفي إطار الزاوية التي ينظر بها كل طرف من الأطراف الثلاثة.

وما دام الأمر كذلك ـ وهو كذلك فعلاً ـ  فمن المستحيل أن يتم أي انزلاق على هذا الصعيد لا الآن ولا في المدى القريب.  

هل هذا الموقف مطلق وفي كل الظروف؟

الجواب: لا. ذلك أن الأمر سيعتمد على الموقف التركي والإيراني.

العلاقة ما بين قطر وكل من إيران وتركيا يمكن أن تتحول إلى "حلف" سياسي أمني جديد ستطلب الدول المقاطعة  مواجهته ليس فقط سياسياً وإنما أمنياً، أيضاً.

إذا وصلت الأمور إلى هذا المستوى من التوتر فإن الانزلاق إلى الإجراءات العسكرية يصبح ممكناً، ويتحول الموقف الأميركي والإسرائيلي والأوروبي في هذه الحالة إلى دور المتحكّم بوتيرة هذه الإجراءات دون أن تتمكن من منعها بالضرورة.

إذن حتى الآن ما زالت الإجراءات المتوقعة هي إجراءات "تجارية" و"اقتصادية" وقد تكون قاسية ومكلفة ولكنها ستظل محصورة في هذا الإطار.

المشكلة التي تمنع أية "حلحلة" في الأزمة الخليجية تكمن في التفكير القطري.

قطر حتى الآن تتعامل مع اعتبارات البلدان المقاطعة كمناظرات إعلامية وهي تصرّ على التعامل معها على هذا الأساس.

في الواقع نحن هنا أمام احتمالين لا ثالث لهما:

فإما أن قطر تعرف حق المعرفة أن المسألة ليست مناظرة إعلامية، وأن المخاوف التي عبّرت عنها الدول المقاطعة هي مخاوف فعلية وتستند إلى الوثائق الدامغة، وفي هذه الحالة، فإن قطر تحاول التهرُّب من "الدخول" في صلب الموضوعات... وإما أن قطر لم تدرك بعد خطورة الأزمة وتداخل مركّباتها إلى درجة يمكن من خلالها تعريض كل الإقليم الخليجي لهزّة عنيفة أو ربما لبركان سياسي ضخم.

للأسف فإن هذا السلوك سيؤدي ـ من حيث نتائجه ـ إلى قيام الحلف الإيراني التركي القطري المدعوم بصورة مباشرة أو غير مباشرة من جماعات الإرهاب ومن جماعات الإخوان في كل دول الإقليم.

والأرجح أن إسرائيل ستدخل على خط هذا الحلف على الأقل من باب التأجيج والنفخ على جمر الموقد.

بالمقابل لن يتوقف الأمر عند هذه الحدود، إذ ليس مستبعداً أبداً أن تدخل روسيا على هذا الخط من باب "الوساطة" أولاً ثم من أبواب أخرى لاحقاً.

الأزمة الخليجية ستقسم الإقليم العربي بصورة لا تقل خطورة عن الانقسام الذي شهده الإقليم إبّان دخول القوات العراقية إلى الكويت إذا لم يتم تدارك الموضوع بسرعة كبيرة.

وإذا تشكّل وتوطّد الحلف التركي الإيراني القطري فإن الولايات المتحدة وأوروبا ستميل شيئاً فشيئاً إلى مواقف البلدان المقاطعة دون "التضحية" بقطر، ما ينذر بتعزيز حالة الانقسام أكثر فأكثر.

تستطيع الولايات المتحدة ومنذ الآن وقف هذا التدهور، وهي بكلمة واحدة تستطيع إرجاع قطر إلى جادة الصواب لكنها لن تفعل ذلك لأن ابتزاز كل الأطراف هو الموقف الأميركي الحقيقي.

الولايات المتحدة من خلال استمرار هذه الأزمة هي في الواقع في موقف يمكنها من ابتزاز كل الأطراف وبدون استثناء. بإمكان الولايات المتحدة (استرضاء تركيا في قطر مقابل "تنازلات" تركية لصالح الموقف الأميركي في سورية والعراق. 

وبإمكان الولايات المتحدة ابتزاز البلدان المقاطعة "لضبط" إيقاعها في كل المواقف "الإقليمية" الحساسة على "أمل" أن يتطور الموقف الأميركي لصالح موقف هذه البلدان.

وبإمكان الولايات المتحدة أن تبتز إيران عَبر التلويح بتبنّي موقف البلدان المقاطعة.

وبإمكان الولايات المتحدة أن تبتز الموقف الروسي في سورية لصالح "تهدئة" معينة في منطقة الخليج.

إذن المتوقع بعد الرد القطري هو حروب تجارية تسبق "طرد" قطر من مجلس التعاون، ثم "توطّد" حالة من الأحلاف الجديدة تكون الولايات المتحدة هي ضابط الإيقاع الرئيسي لعمل الجوقة كاملة.

بإمكان قطر بالمقابل إخراج المنطقة من هذه الحالة المدمّرة أو ربما الأصحّ القول إنه كان بإمكانها ذلك.

التاريخ فعلاً يكرر نفسه وهو يكررها على شكل مأساوي دائماً في الحالة العربية.