26 أيار 2015
بعد أن كان أعلن قبل بضعة أسابيع، استقالته من مجلس الوزراء، ظهر الدكتور محمد مصطفى برفقة السيد الرئيس محمود عباس في احتفال تدشين مشروع الطاقة الشمسية، ليؤكد حضوره ودوره المحوري في المشروع الوطني، بغض النظر عن موقعه أو مكانته في مجلس الوزراء.
ذلك أن د. مصطفى يبقى رئيس صندوق الاستثمار الوطني، ومستشار الرئيس الاقتصادي، والمهم أن الإعلان عن مشروع الطاقة الشمسية كان مناسبة للإفصاح عن خطة فلسطينية، يمكن وصفها بخطة الاعتماد التدريجي على النفس أو على الذات، اقتصادياً، خاصة فيما يخص ويتعلق بإنتاج الطاقة التي تعتبر مفتاح التطور الاقتصادي لأي بلد، وتعتبر في الحالة الفلسطينية بالذات، مفتاحا للتحرر من الضغط الإسرائيلي المتواصل، كلما همت القيادة الفلسطينية باتخاذ خطوة كفاحية، لترد عليها إسرائيل بحجز أموال المقاصة بحجة وجود مطالبات لها علاقة بأثمان الطاقة المستحقة لشركة الكهرباء الإسرائيلية التي تزود الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة باحتياجاتهم من الطاقة الكهربائية.
لا يبدو المشروع رغم أهميته القصوى، لا ضربا من الخيال ولا أمرا بعيد المنال، لا بالمعنى العملي أو التنفيذي ولا حتى فيما يخص الوقت والتمويل، فالمشروع يحتاج نحو 200 مليون دولار لإقامة عشر محطات توليد للطاقة خلال عام ونصف فقط، يمكنها أن تزود الضفة الغربية بكل ما تحتاج إليه من الطاقة، وفي الوقت ذاته عادت شركة «بي جي» البريطانية التي كانت السلطة قد عقدت معها اتفاقية استخراج الغاز من غزة عام 1999 للعمل وبدأت بالبحث عن عناصر دعم، تمثلت بالاتفاق مع الأردن لتزويده باحتياجاته من الغاز الطبيعي الفلسطيني.
يعيد العمل بعناصر «الاستقلال الاقتصادي» إلى الأذهان خطة رئيس الوزراء السابق الدكتور سلام فياض، والتي كانت تعتمد فكرة مواصلة النمو الاقتصادي الداخلي خلال فترة ثلاث سنوات، من عام 2009 _ 2012 لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ورغم ما حققته تلك الخطة التي اعتمدت إنشاء وإقامة مشاريع سنوية متعددة، كذلك الاقتصاد في النفقات، ومنع التسيب المالي وما إلى ذلك من إنجازات، وباعتراف البنك الدولي والمانحين، إلا أن عوامل سياسية داخلية وخارجية أفشلت التجربة برمتها، فداخليا ووجهت برفض المعارضة بدافع المناكفة السياسية المعروفة، وخارجيا ووجهت بكل السدود والحواجز والموانع الإسرائيلية التي كانت تدرك خطورتها، بسحب البساط من تحت أقدام الاحتلال بهدوء وبالتدريج، فكان أن شلّت يد الحكومة من الدخول لما يسمى بالمناطق ج، والتي هي الفضاء الاقتصادي الضروري حتى يمكن للوطن الفلسطيني أن يحقق استقلاله الاقتصادي توطئة لتحقيق استقلاله السياسي .
يعيد إذاً مشروع الدكتور محمد مصطفى الاعتبار لهذا المجال من الكفاح الوطني، وإن كان بهدوء أكثر، خاصةً بعد أن أعلن عن استقالة، لم يعلن أنها قبلت، لكن فيما يبدو أنها تعني «تحرر» صندوق الاستثمار من أن يكون رهينة مواقف وقرارات الحكومة، وانه فقط يسير وفق الخطوط والسياسات العامة للرئاسة. كما أن ذلك يعني أن بعض الفلسطينيين باتوا يدركون بان الصخب والجلبة الناجمين عن ضجيج السياسة لا يلحق الضرر وحسب بفرصة تحقيق الأهداف الوطنية، لكنه يجعلها رهينة أمرين : أولهما وجود قيادات على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي يمكن وصفها بأنها قيادات سياسية أكثر منها قيادات وطنية، أي أنها غير قادرة، وحتى عاجزة عن التوصل لاتفاق تاريخي، وأنها تبقى أسيرة الشعارات والمواقف السياسية المتوارثة .
وان الفلسطينيين وهم آخر شعب بقي تحت الاحتلال الأجنبي وفي ظل متغيرات دولية ومن ثم متغيرات إقليمية عاصفة، تمنع وتحول دون إعلان دراماتيكي للاستقلال السياسي الفلسطيني، عليهم أن يجربوا _ بهدوء _ ودون صخب، فرض هذا الاستقلال على الأرض ومن ثم يكون الإعلان عنه في وقت لاحق مناسب تحصيل حاصل، بعد أن تأكد بعد عشرين سنة عدم إمكانية تحقيق العكس، أي إعلان الاستقلال أولا ومن ثم تحقيق هيكله على الأرض !
الذهاب في هذا الطريق له شواهد ونماذج، منها نموذج الهند / غاندي، كذلك جنوب أفريقيا / مانديلا، ثم إن حالة الدولة الوطنية في عالم متداخل تشير إلى ان للاستقلال معنى نسبيا، والمهم أن الاستقلال الفعلي والحقيقي لا يكون إلا باستقلال اقتصادي، فكثير من الدول تكاد تكون منزوعة السلاح لكنها تحققت كقوى اقتصادية عظمى «اليابان وألمانيا»، كذلك فان النمو الاقتصادي المطّرد، ودون ضجيج جعل من الصين أعظم دولة في المنظور القريب، استنادا لقوتها الاقتصادية المتنامية والمطّردة، دون أن تستند إلى ثروات طبيعية _ نفطية أو غازية، فضلا عن القوة العسكرية، كما هو حال كل من روسيا وأميركا.
أما التداخل بين الدول والقوميات وخاصة في النموذج المتحقق الأهم للدولة القومية «النموذج الأوروبي» فيشير إلى أن دولا قومية عظمى في أوروبا «ألمانيا، فرنسا وايطاليا» أنشأت دولا من اجل فض الاشتباك القومي فيما بينها، مثل سويسرا وهي دولة فدرالية مكونة من كانتونات : فرنسية (جنيف)، ألمانية (برن) وايطالية.
كذلك فان هناك أربعة كانتونات في بلجيكا يتمتع مواطنوها بازدواجية الجنسية البلجيكية / الهولندية، أي أن الحل السياسي يحتاج إلى عقل هادئ والى انفتاح وإبداع للتوصل إلى حل ليس سهلا ولا بسيطا، حيث أن إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 لا يعني أن التداخل الفلسطيني الإسرائيلي قد انتهى، فهناك مليون وربع مليون فلسطيني ( 20% ) من سكان إسرائيل يعيشون كمواطنين في الدولة العبرية، وهناك نحو مليون مستوطن يهودي / إسرائيلي يقيمون على أرض الدولة الفلسطينية، ربما يفضل بعضهم أن يبقى كمواطن فيها، أو حتى كمقيم في تلك الدولة. لذا فان إقامة الدولة الفلسطينية مع استمرار حالة العداء والصراع أو الاقتتال بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يعني أن نموذج غزة سيكون ماثلا، ويعني أن تكون أغلبية على الجانبين أو على الأقل على جانب واحد ضده، بما يحول دون تحقيقه، لذا لابد من طرق كل الأبواب لتحقيق هدف الاستقلال الوطني الفلسطيني المنشود!