هناك فرق كبير بين التعاطف والمصالح في العمل السياسي الدبلوماسي، هناك من هو معك بعاطفته، لكنه ليس معك في المصالح الخاصة بكينونة بقائه واستقراره والحفاظ على وجوده، تعلمت في أول درس بالعلوم السياسية مقولة "لا تحالفات دائمة ولا صداقات دائمة،إنما المصالح هي الدائمة".
ونحن كفلسطينيين وبسبب عدالة قضيتنا نركز على العاطفة في بناء الخطاب السياسي كونه الأسهل في العمل السياسي، دون أن ندرك بأن العاطفة لا تدوم بمقدار نسج المصالح، وحتى المصالح تتغير بناءً على معادلة الربح والخسارة من جهة ومقدار كمية الأرباح وديمومتها من جهة أخرى.
ما قامت به الهند وكوبا الإسبوع الماضي على صعيد قضيتنا الفلسطينية خير مثال على ما سبق، فقد زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إسرائيل، ليصبح أول رئيس حكومة هندي على الإطلاق يزور تل أبيب.
ومن قلل من أهمية هذه الزيارة لا يستحق سوى وصفه بالساذج، ولا يدرك أبجديات العمل السياسي الدبلوماسي ولم يقرأ المصالح المشتركة المتمثلة بأن الهند تعمل لتطوير جيشها لمواجهة باكستان والصين، مما جعلها أكبر سوق للسلاح الاسرائيلي، وحسب وكالة رويترز للأنباء فأن الهند تشتري من إسرائيل اسلحة تبلغ قيمتها السنوية مليار دولار متمثلة في بناء نظام دفاعي وشراء الهند لطائرات بدون طيار وأجهزة رادار وأنظمة للأمن الالكتروني وأمن الاتصالات؛ وأيضاً مساعدة إسرائيل الهند في تحسين الانتاجية الزراعية والأمن الغذائي.
أما ما قامت به سفيرة كوبا في اليونسكو بوضع إسرائيل بموقف غير مسبوق في جلسة الأمس، عندما طالبت بالوقوف دقيقة صمت تضامان مع الضحايا الفلسطينيين؛ رداً على طلب السفير الاسرائيلي الحضور بالوقوف دقيقة صمت على أرواح ضحايا الهولوكوست، فهو خير مثال على التعاطف معنا. لكن هل هذا التعاطف سيدوم أم سنخسره كما خسرنا الهند مقارنة مع أيام أول رئيس وزراء هندي وأحد مؤسسي مجموعة دول عدم الإنحياز جواهر لال نهرو!!
والأخطر من كل هذا مدى مقدرة المنظومة الإسرائيلية في سرعة بناء التحالفات والإستراتيجيات المبنية على المصالح بغض النظر عن حجم وقوة وموقع الدول أو المؤسسات والمنظمات الدولية، وأهم قصص النجاح التي تسجل لها حديثاً هو أقامة جسور مختلفة من التعاون مع عدد من دول الخليج. هذا كله يجعل من مبادرة السلام العربية مجرد حبر على ورق لا ضرورة لها، ويجب أن نقوم بدراسة سريعة لفهم العاطفة والمصالح مع قضيتنا وتكون الهند وكوبا نموذجاً!!