الإعلام العربي.. استقطاب مدمّر

عبد الناصر النجار.jpg
حجم الخط

الديمقراطيات الغربية انتبهت منذ عصر النهضة إلى أهمية الإعلام الذي يعبّر عن الجماهير ويؤدي في النهاية إلى إصلاح المجتمع وتنميته وتطويره، ولهذا كان التشديد على إنهاء الإعلام السلطوي بشكل شبه كامل منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. بمعنى ألا تسيطر الدولة على الإعلام بشكل كامل وألا تكون رواية الدولة هي المسيطرة وكل ما عداها محرّماً.
لا شكّ في أن الإعلام الهتلري أدّى إلى دمار ألمانيا... وعليه كان لا بدّ من تغيير وجهة الإعلام بشكل كامل مع انتهاء الحرب العالمية الثانية... وظهور مبدأ المسؤولية المجتمعية للإعلام الهادف من خلال حرية الرأي والتعبير إلى نقل الحقيقة وتنمية المجتمع وتطويره ودمقرطته.
في دولنا العربية ظل الإعلام السلطوي مسيطراً بشكل عام حتى نهاية القرن العشرين تقريباً... وكل وسائل الإعلام كانت تمجّد الزعيم والرئيس والملك... فمن يوميات أحمد سعيد في «صوت العرب» الذي هنأ سمك البحر بأكل جثث الإسرائيليين... إلى مئات الطائرات التي دمّرتها القوات المصرية... وليس انتهاءً بالصحّاف خلال العدوان الأميركي على العراق فإعلام العقيد القذافي والإعلام البعثي السوري وصولاً إلى الإعلام الخليجي؛ ظل الإعلام العربي أسير الزعامة السياسية.
مع تطور وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، توقعنا أن تتغير الأمور كثيراً، وخاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي سلمت من كارثية الإعلام السلطوي... إلاّ أن الأمور لا تبدو هكذا.
صحيح أن المشهد السلطوي تغيّر شكلياً، فبعد أن كانت وسائل الإعلام مملوكة للدولة، وهي التي تقوم بالترخيص وتراقب، وهي التي تمنح أو تمنع، ترفع أو تخسف الأرض بمن يغرّد خارج السرب، أصبح التمويل هو الذي يلعب دور السلطة.
انظروا إلى حالة الاستقطاب الحادّة في الفضائيات العربية، فهي لم تعد تزودنا إلاّ بما هو أسود أو أبيض... بمعنى إما أن تكون مع أو ضد.... والمواطن العربي أصبح ضحية لهذا الاستقطاب.
في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ظهرت مجموعة من الكتّاب الذين استبشر بهم البعض خيراً... لنفاجأ بأن القلم أصبح مأجوراً بشكل واضح، فقبل أن نقرأ عنوان ما يكتبون نعرف إلى أي جهة يتبعون.
الإعلام العربي سلطوي أكثر من السلطات الحاكمة سواء أكانت ملكية أم جمهورية أم شعبية... والكتّاب وصلوا إلى درجة أن يصفوا زعماءهم بأوصاف إلهية... ما أزعج حتى الحكام.
أزمة الخليج كانت القشّة التي قصمت ظهر أي إمكانية لإعلام محايد قادر على إيصال معلومة صحيحة.. فقد أصبح الاستقطاب سيّد الموقف... في المغرب العربي الحرب بين الدول الشقيقة وانعكاسها على الإعلام أصبح أمراً واضحاً... واللغة المستخدمة لا يمكن أن تصل إلى إصلاح ما أفسدته السياسة خلال العقود الماضية.
الفضائيات العربية يزيد عددها على الألف... إلاّ أنها أصبحت غثاءً كزبد السيل.
حالنا في الوطن العربي هو من حال إعلامنا... إعلامنا يدمّر بدل أن يبني، ويشوّه بدل أن يعبّر عن الحقيقة... وأصبح المهم هو تمجيد الزعماء والدول من أجل المنح... وقلة هم من يحاولون التغيير.
إعلام عربي مستقطب يعني مزيداً من الضعف والهوان العربي... ومزيداً من التفكك... لا ندري لمصلحة من؟!