تثير العملية الإرهابية الأخيرة في سيناء الكثير من القلق. المؤكد أن الإرهاب يستهدف مصر من أجل زعزعة استقرار الدولة العربية الأهم.
ومن المؤكد أن القصة لا علاقة لها بصراع داخلي - مع وجود مثل هذا الصراع من قبل أطراف راغبة في السيطرة على الدولة - ولكن له علاقة بمحاولات خارجية لضعضعة الوضع في مصر وجعل مصر مشغولة أكثر بقضاياها الداخلية ومشاكلها الخاصة وبالتالي تغييب مصر عن الهم العربي العام وعن القضايا العربية الكبرى. وبالتالي فإن الإرهاب ليس إرهاباً موجهاً نحو مصر بل هو موجه نحو مكانة مصر وما تشكله مصر من ثقل وحضور في السياسة العربية والإقليمية والدولية، وبالتالي فهو مساس بالحالة العربية بكليتها.
وبالنظر للحالة العربية فإن ثمة استهدافا للدولة العربية برمتها خاصة بعد ما بات يعرف بالربيع العربي وقبل ذلك بعد احتلال بغداد من قبل الدبابات الأميركية في مشهد مشين هلل له بعض العرب وطربوا لإيقاع الرصاص الأميركي في شوارع بغداد الرشيد وبصرة السياب.
عموماً منذ ذلك الحين والمنطقة العربية مستباحة من قبل قوى عابرة للدولة ولحدودها تستهدف وحدة أراضي الدولة وقدرتها على التواصل الجغرافي ومقدرتها على بسط سيادتها على نواحيها المختلفة.
ثمة استهداف واضح ومقصود للدولة العربية يحاول أن يفتت وحدتها ويعمل على تمزيق لحمتها.
لن يكون الأمر صدفة. وأيضاً سيكون من الغباء توقيت ذلك بمسيرات الربيع العربي ونسيان طوفان الفوضى «الخرابة» التي أحدثتها الدبابات الأميركية في العراق، واعتبار كل ذلك صدفة سيكون صدفة أن تكون عاقلاً إذا فكرت بذلك.
وبكلمة أخرى فإن التحولات التي جعلت الإرهاب لاعبا فاعلا في المشهد السياسي العربي يفوق فاعلية أجهزة الدولة في جل الدول العربية لم تكن صدفة عابرة في اللحظة العربية الراهنة، بل إنها تواصل للمشهد السياسي الإقليمي بعد سقوط جدار برلين وتراجع مكانة المعسكر الشرقي وحلفائه.
أوروبياً فإن هذا المعسكر نجح في اللحاق بنادي بروكسل عبر عضوية الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو حيث باتت عواصم شرق أوروبا الساحات الأكبر للفاعلية التي يقوم بها الحلف، تذكرون قمة براغ الشهيرة للحلف.
أما الحلفاء العرب الذين فشلوا في تطوير استجابات حقيقة للمشهد الكوني بعد سقوط جدار برلين فقد تمزقوا بشكل واضح. فبدلاً من تكون حلف عربي مشترك سعت الدول العربية بشكل نزق للبحث عن الخلاص الفردي.
انعكس ذلك بالمزيد من السياسات الاقتصادية والأمنية التي شددت قبضة الدولة على عنق المواطن، وبالتالي قادت للمزيد من عدم ثقة المواطنين بأجهزة الدولة، وهي الثقة التي كانت غائبة أصلاً، وبالتالي بات خروج المواطنين بحثاً عن أي شيء يخلصهم من قبضة الدولة أمراً محتوماً، وبات انتساب الكثير من هؤلاء المواطنين لمجموعات إرهابية هدامة أو لتنظيمات طائفية أو عرقية أمراً مرغوباً وبات هو الخلاص الوحيد. فحين تغيب الدولة يغيب العقد الأخلاقي الذي يجعل القبول بها ليس مفروضاً بقوة القانون على المواطنين، بل مدموغاً بقوة الأخلاق ذاتها.
هل يتم كل ذلك صدفة؟ أو أن ثمة ترتيبات أكبر تتم قادت في النهاية إلى تفتت الدولة الوطنية في العالم العربي. لم يعد المشروع القومي ممكناً بسبب الإخفاقات الكبرى في تحقيق الوحدة العربية أو على الأقل خلق حالة من الانسجام القومي بين مكونات العالم العربي المفترض منذ فشل الوحدة المصرية السورية في ستينيات القرن الماضي.
وبشكل عام فإن الدولة الوطنية لم تعد ممكنة أيضاً بعد أن فشلت في أن تكون دولة مواطنيها وبعد أن تكالبت عليها الدول الإقليمية.
الدولة العربية باتت مستهدفة، وربما أن اللهث وراء التدخلات الإقليمية والاستعانة بالقوى الخارجية مثلما تم من استعانة بحلف الناتو في ليبيا وسورية وغير ذلك، كله جعل وقوف الدولة الوطنية في المستقبل مرهوناً بقدرتها على تربيط علاقات خارجية جيدة مع القوى الفاعلة في الإقليم وفي العالم.
ما نتج هو أن الدولة لم تعد ممكنة بصيغتها الحالية. صحيح أن مفهوم السيادة بات موضع تشكيك في الدراسات والممارسة اليومية في عصر العولمة وغياب الحدود الافتراضية وعدم فعالية الحدود المادية، لكن هذا وحده ينهار بشكل كبير حين يتعلق الأمر بالدول الآيلة للسقوط، وليس في حال الدول القوية.
ففي التكوينات ما بعد المعولمة فإن القوي ظل قوياً والضعيف ازداد ضعفاً ما لم يعمل على تغير وضعه.
صور بشعة تكشف قتل وتدمير وقطع رؤوس وحرق واغتيالات. كل ذلك باسم السماء والوعود المشتهاة، ولا شيء في حقيقة الأمر له علاقة بذلك ولا يقول شيئاً عن حياة الناس البائسة وسبل تطويرها وإطعامهم بشكل جيد وحمايتهم من المخاطر التي تحيط بهم، والأغرب من ذلك لاشيء عن فلسطين والعدو الجاثم على الصدور، فالأسلحة إلى الصدور وليست إلى العدو.
هل يمكن تخيل هذا الحشد الكبير من الإرهابيين من جنسيات مختلفة في مناطق الاشتباك في الدول العربية الكبرى خاصة مصر وسورية والعراق.
مقاتلون من مختلف بقاع الأرض يتخيلون عالماً يقيمون فيه ويطورون أحلاماً واهية حول دول يقيمونها وخلافة ينشدونها، فيما هم في الحقيقة أو كما يصبو معلمهم الأكبر وصاحب مشروعهم لا يبغون غير تدمير الدولة العربية وتمزيق جسدها.
فبدلاً من أن ينشغل أحدهم بمشاكل بلده والعمل على تطوير العمل السياسي والاقتصادي فيها، ينشد بلاد غيره تحت حجج واهية أن كل العالم أرضه وبلاده، وأشياء ووعود كثيرة. هل يمكن أن يكون هذا صدفة؟!
عموماً فإن الدولة العربية بحاجة لأن تعيد ترتيب أوضاعها بما يحمي وحدتها وهيبتها وتظل قادرة على أن تقف ممثلة عن مواطنيها في وجه التنامي المطّرد للهويات الفرعية وللطموحات الضيقة المهووسة بالجغرافية ومفاعيل اللحظات التاريخية العابرة. ومصر في كل ذلك تظل أساس - لمكانتها وتاريخها ودورها الفاعل في السياسة العربية - المكانة التي يجب أن يحرص عليها كل غيور على هويته العروبية.