رسالة من حافة المقبرة

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

لا يبالغ منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في الأراضي المحتلة، السيد روبرت بيبر، حين يقول إن قطاع غزة قد أصبح الآن غير صالح للحياة، ما يستبق تقارير أممية سابقة أشارت في العام 2012 إلى أن القطاع لن يعود مكاناً صالحاً للحياة في العام 2020.
منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا لم يبادر أي طرف لأخذ تحذيرات الأمم المتحدة بعين الاعتبار، والمقصود في اتجاه العمل من أجل تخفيف وطأة الأزمات المتفاقمة التي يعاني منها سكان القطاع، وتكاد تشمل كل مجالات الحياة.
لا بل على العكس من ذلك فإن تلك الأزمات تندفع نحو المزيد من الشمول والعمق، إلى الحد الذي يجعل الناس عموماً على أطراف المقبرة الشرقية للمنطقة الشمالية من القطاع.
عند الحديث عن أن القطاع لم يعد مكاناً صالحاً للحياة، فإن المقصود بالحياة، يتجاوز الحق في التنفس وتناول الطعام، إلى ما يعرف بالحد الأدنى للحياة الكريمة. يمكن للإنسان أن يتحدّى العديد من الأزمات، وتظل حياته كريمة ولكن حين تشمل الأزمات كل جوانب الحياة، ومتطلباتها العصرية، فإن الحياة تعني في هذه الحالة، العودة إلى مجاهل القرون الوسطى، أو حياة القبائل الأفريقية التي لم تعرف مظاهر الحياة العصرية.
في زمن التكنولوجيا، تصبح الكهرباء، وخدمة الإنترنت، هي مصدر الحياة، فالناس في غزة مدمنون على التعامل مع خدمات الإنترنت التي يجدون فيها الوسيلة الوحيدة للتسلية، والمعرفة، والتواصل، والتنفيس عن همومهم.
سيصبح الناس دون إنترنت وكهرباء تعطل كل شيء عاطلين عن الحياة، وليس فقط عن العمل، ما سينجم عنه، بشر مشوّهون، يتقاتل أحدهم مع نفسه حين لا يجد وسيجد دائماً من يتقاتل معه.
غير أن الآثار المترتبة على انقطاع هذا الثنائي الخطير، تعني أن لا عمل للبنوك، والمؤسسات بمختلف أشكالها وأنواعها، ولا مبردات، أو أجهزة تلفزيون أو بث أو حتى الحد الأدنى من التواصل.
المشكلة هي أن الناس لم يكونوا محتارين في الإجابة عن السؤال من المسؤول عن ذلك، وهو الاحتلال الإسرائيلي، ولكن الأمر بالنسبة لهم قد اختلف بعد الإجراءات التي بدأت تتخذها السلطة دون أن تلاحظ أن الناس الذين تدعي أنها لا تتقصدهم بالعقوبات هم الذين يتأثرون وليس حركة حماس.
لا تفيد التبريرات في أن تنفي التهمة عن السلطة، وإجراءاتها، وإذا أراد المسؤول أن يستفيد من تقييم موضوعي، فإن الناس تفقد الثقة بالسلطة.
الناس ليسوا بوارد التفكير في المسؤول عمّا آلت إليه الأمور في الساحة الفلسطينية وحتى لو أنهم اعترفوا بصريح العبارة، بمسؤولية حماس التأسيسية لهذه النكبة بسبب ما أقدمت عليه العام 2007، فإن هذا الاعتراف لا يفيد في شيء. هذا الاعتراف لا يؤدي إلى تعظيم شعبية الطرف الآخر بل سيؤدي إلى الكفر بكل السياسة وأركانها وفصائلها ومؤسساتها وشرعياتها.
بعد ما مضى من إجراءات لم تحرك العناد القوي الذي يمنع استجابة حركة حماس لشروط الرئيس محمود عباس للمصالحة، والتي يتضح أنها فقط تؤثر سلبياً على حياة الناس إلى حد العدم كما يشير إلى ذلك ممثل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، يصبح من الضروري التوقف لدراسة مدى جدوى هذه الطريقة في معالجة موضوع المصالحة.
حماس لن تَسْلَم ويتوفر لديها البديل من خلال تفاهمات القاهرة، والناس لن تخرج إلى الشوارع لتعلن تمردها على الجهة التي تسيطر على القطاع ويفترض أن تتحمل المسؤولية عن معالجة أزماته جرياً وراء المثل الشعبي الذي يقول: «من يرد أن يصبح جمّالاً فعليه أن يرفع سقف بيته».
والسؤال هو إذا ما كان على من يراهن على ذلك، أن يسأل أولاً عن برنامج ومشروع ودور حركة فتح أولاً ثم الفصائل الأخرى ثانياً.
لقد حان الوقت لأن تتلقّى السلطة، ومن جانب آخر حركة حماس الرسالة التي صدرت عن منسق الشؤون الإنسانية، بما يؤدي إلى تغيير كل هذه الأساليب، ونحو تحمُّل المسؤولية إزاء تعزيز صمود أهل غزة، حتى يكونوا مستعدين وقادرين على وأد مشروع دولة غزة الذي يدعي الجميع أنه يرفضه ويناهضه.
وما لم يتحرك الفلسطيني أولاً لإنقاذ غزة فإن أحداً في هذا العالم لن يترحم على مليوني فلسطيني لا ذنب لهم إلاّ لأن القدر جعلهم حُماة المشروع الوطني الفلسطيني.