إذا سلمنا جدلاً بأن القيادى محمد دحلان وحركة حماس طويا عداء الماضى وسارا قُدماً من أجل تحقيق غاية كل منهما فى الوصول إلى أهدافه الحقيقية من خلال إنجاز ما يُسمى «تفاهمات القاهرة»، فإن توابع هذه التفاهمات لن تكون فى مصلحة الوطن الفلسطينى بمعنى الجغرافيا والسيادة والسيطرة، هذه التفاهمات التى جاءت نكاية فى الرئيس محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، وبعد الإجراءات العقابية التى اتخذها بحق قطاع غزة، بهدف لىّ ذراع حماس وإذعانها لإنهاء الانقسام والتنازل عن سيطرتها عن القطاع، وحل اللجنة الإدارية التى شكلها يحيى السنوار، رئيس الحركة فى القطاع، خلال أبريل الماضى لإدارة القطاع كحكم موازٍ لحكم السلطة الفلسطينية، لا أظن أنها ستدوم، نظراً لاختلاف التحالفات والمصالح والتوجهات الأيديولوجية لكل منها، والأهم تعارضها مع الأهداف الوطنية والديمقراطية الفلسطينية المشتركة وابتعادها عن التئام الوحدة المنشودة بين ضفتى الوطن، بما يعنى تصفية المشروع الوطنى الفلسطينى وتحقيق الأهداف الإسرائيلية فى الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة وتحويل القطاع إلى كيان صغير معزول.ورغم أن ما يهم سكان قطاع غزة هو فك الحصار الذى ضرب عصب الحياة فيه، وحوّله إلى منطقة منكوبة وخنق كل أمل فى الاستقرار السياسى والتواصل الجغرافى، فإن هذه التفاهمات تكرس للانقسام، وربما تكون بداية للانفصال التام وإعلان «دولة غزة»، وهى رغبة تصب فى مصلحة إسرائيل أولاً وأخيراً، على خلاف ما يقال من أنها خطوة على طريق تصحيح المسار وإنقاذ المشروع الوطنى من السقوط فى جب الصراع على السلطة والسيادة، لوطن لا يزال يرزح تحت نير الاحتلال يتحكم فى كل شبر فيه حتى قطاع غزة الذى خرج منه بشكل أحادى الجانب دون ترتيب مسبق.خيار الضرورة (دحلان - حماس) المس
ئول الأول عنه موقف السلطة الفلسطينية وما اتخذته من إجراءات عقابية تسير باتجاه الانفصال عن قطاع غزة، فعندما يواصل «عباس» إجراءاته تجاه غزة ويقرر قطع رواتب 6400 من موظفى السلطة فى غزة، وقطع رواتب 70 نائباً من أعضاء «حماس» فى المجلس التشريعى، بالمخالفة للقانون، ومنع التواصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة ومطالبة إسرائيل بمنع إعطاء تصاريح دخول الضفة الغربية لأبناء غزة والتنصّل من العبء الخاص بالوقود الذى يمد محطة كهرباء غزة ومنع التحويلات الطبية من غزة إلى الضفة الغربية. كل هذه الإجراءات تأتى فى سياق انفصالى وليس إصلاحياً!! مما يؤكد أن سلطة رام الله تحاول التخلص من عبء غزة المالى والإدارى، بما يؤدى إلى الانفصال الحتمى فى ما بعد.
بات فى حكم المؤكد أن أبواب المصالحة الفلسطينية مستحيلة بسبب حماس والسلطة الفلسطينية معاً، فى الوقت ذاته فإن حماس لم يعد أمامها خيار سوى اللجوء إلى القاهرة، وبالنسبة إلى مصر فهى لا تستطيع أن تتعاون مع جهة لا تثق بها، وبالتالى لا بد من وجود ضامن وكفيل، والضامن هو «دحلان» الموثوق به، ومن رتّب لهذه الصفقة هى الإمارات العربية المتحدة الداعم المهم لـ«دحلان»، وبالتالى فإن اللقاءات بين «دحلان» وحماس ستتم على أسس رئيسية أولها: مراعاة القلق الأمنى المصرى من غزة، لذلك سارعت حماس إلى إنشاء حزام أمنى، وهو ما لاقى استحساناً فى مصر، وفى المقابل تقوم مصر بتسهيل دخول الوقود وفتح معبر رفح، كما سترعى الاتفاق الدائم حول التقاسم الوظيفى بين «دحلان» وحماس لغزة، ولا يمكن إغفال دور دولة الإمارات فى المشهد القائم، حيث تقوم بتعبيد الطريق أمام حل سياسى بعيد المدى يُرضى الإدارة الأمريكية على نحو خاص، وهو إنشاء الدولة الفلسطينية فى غزة وإيجاد حل فى الضفة، بالاتفاق مع الأردن.
وفى ضوء الأمر الواقع، فإن «دحلان» يمثل حركة فتح فى غزة التى تمثل 50% من القوى السياسية، وبالتالى دون تفاهم فتح غزة وحماس لا يمكن استمرار التفاهمات على وضعها الحالى، وحتى بعد الزيارة التى قام بها الرئيس عباس إلى القاهرة، فإن التوتر ما زال موجوداً بسبب إجراءات «عباس» تجاه غزة التى تمثل كرة نار متدحرجة فى تجاه مصر، وهو الأمر الذى يضر بالأمن القومى المصرى، لذا لا بد من حل لأزمات غزة المتتالية، وللأسف الرئيس أبومازن عجز عن إيجاد أى حل بعد عشر سنوات من الانقسام والخلاف، بل إن هذا العجز وعدم القدرة على مواجهة مشكلات القطاع تحول تدريجياً إلى استراتيجية للانفصال التام عن غزة ومشكلاتها، وكان من الطبيعى أن تتصرّف مصر بناءً على معطيات الأمر الواقع الذى يقول إن هناك كتلة ملتهبة اسمها قطاع غزة تشكل خطراً داهماً على الأمن القومى، ولا بد من إخمادها، ومن هنا التقت المصالح المشتركة (دحلان، حماس، مصر، الإمارات)، بمعنى آخر فإن الضامن بين حماس ومصر هو «دحلان»، وما زاد الأمور تعقيداً وأغضب القاهرة غضباً شديداً اللقاء الذى تم الأسبوع الماضى بين جبريل الرجوب ووزير الأمن الداخلى الإسرائيلى مع القنصل العام الأمريكى فى القدس، وتضمن اللقاء شكوى «الرجوب» للقنصل الأمريكى من أن القاهرة تتصرف بطريقة تخريبية؟ وأن السياسة التى تتبعها السلطة الفلسطينية تجاه غزة سياسة متفق عليها مع إسرائيل، وأن كلا الطرفين، الفلسطينى والإسرائيلى، غاضبان من موقف مصر الراعى للتفاهمات التى تمت بين «دحلان» وحماس، وطالب «الرجوب» القنصل الأمريكى بأن ينقل للإدارة الأمريكية ضرورة التدخل والضغط على مصر لوقف تدخلها!!.
أغلب الظن أن الخطوة التالية ستكون الانتخابات التى سيكون لها القول الفصل، ولو استحالت الانتخابات سيكون هناك تقاسم وظيفى بين «دحلان» وحماس فى غزة، وهذا بالضبط هو المخطط الإسرائيلى، حيث لا دولة فلسطينية ولا تواصل جغرافى ولا قدس شرقية وتضم الضفة الغربية فى اتحاد كونفيدرالى مع الأردن، وإن لم يكن تتحول لنظام كانتونات وبلديات صغيرة معدومة التواصل الجغرافى، بما يُنهى حلم الدولة الفلسطينية إلى الأبد.
عن الوطن المصرية