الجامعات احتفلت وسوق البطالة تشبعت بالخريجين

عبد الناصر النجار.jpg
حجم الخط

قبل أيام تفاجأت بخريجتي «إعلام» تعملان في أحد البنوك المحلية.. ولدى سؤالهما عن السبب؟! كانت الإجابة واضحة، وهي أن عدم وجود فرصة عمل دفعهما لذلك.
تشير إحصائيات فلسطينية إلى أن نسبة البطالة في تخصص الإعلام تصل إلى نحو 80% بين الطالبات وأكثر من 60% بين الطلاب، ولا يعني هذا أن الذين وجدوا فرصة عمل يعملون في مجال تخصصهم ففي كثير من الأحيان يبتعدون عن هذا التخصص.
في الإطار نفسه، لم تعلن وزارة التربية والتعليم نتائج امتحان توظيف الخريجين الذين تقدموا لوظيفة معلم.. ولكن بناء على سنوات سابقة، فإن عدد الذين يتقدمون لوظيفة معلم يصل إلى نحو 50 ألف خريج، وعادةً ما يتم استيعاب 1500 منهم فقط، بمعنى أن نحو 45 ألفاً خريج يظلون دون عمل، خاصة في تخصصات أكاديمية بحتة، لا يوجد لها مكان في سوق العمل مثل تخصصات اللغة العربية والجغرافيا والتاريخ والرياضة والفن، وحتى خريجو المواد العلمية مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية يقبعون في خانة البطالة أيضاً.
المشكلة في بطالة الخريجين مزدوجة، فهم أنفقوا خلال سنوات الدراسة مبالغ طائلة، وفي كثير من الأحيان على حساب مستوى معيشة عائلاتهم.. على اعتبار أنه سيتم تعويض هذه المبالغ بعد التخرج.. وبالتالي لو أن مثل هذه المبالغ صرفت في مشاريع إنتاجية ربما لتغير المشهد تماماً.. وما دام معظم الخريجين لا يعملون في مجال تخصصاتهم، فإن المطلوب هو عمالة ماهرة أفضل من خريجين متعطلين.
المشكلة الأخرى في بطالة الخريجين تتمثل في الأمراض الاجتماعية الناجمة عنها، ومنها تدهور أوضاع المتعطلين النفسية، وغرق بعضهم في تعاطي المخدرات والجريمة. وإذا ما ظلت الأوضاع على ما هي عليه من انعدام الوظائف، أو عدم وجود عدالة أخلاقية وحق أساسي وصحيح في التنافس، فإن ثورة الخريجين واقعة لا محالة.
ولكن ما السبب في هذه البطالة؟! هناك أكثر من سبب، وعلى رأسها التخصصات المتماثلة التي تطرحها الجامعات.. وعلى سبيل المثال تخصص علم النفس مثلاً. كم تحتاج فلسطين سنوياً إلى مؤهلين في هذا التخصص، 50 خريجاً مثلاً وربما أقل، ولكن في كل جامعة ومن خلال حفلات التخرج نلاحظ أن عددهم بالمئات.. وبالتالي هو حكم مؤكد عليهم بالاعتقال المؤبد في سوق البطالة.
كل التخصصات متشابهة إلاّ ما ندر في الجامعات الفلسطينية، وهي تخصصات مكررة بل الأسوأ هو تنافس الجامعات المحلية على خريجي الثانوية العامة، ما أدى إلى خفض المعدلات التي تقبل في كثير من التخصصات. وعلى سبيل المثال فإن إحدى الجامعات قبل عدة سنوات كان معدل القبول فيها لا يقل عن 85% في كثير من التخصصات.. واليوم وصل المعدل حتى إلى أقل من 70%، على قاعدة قبول أكبر عدد ممكن من الطلاب لإيجاد حلول لأزمة الجامعة المالية، بمعنى المس بنوعية التعليم.
ومن هنا نلاحظ أن دور الشباب في التنمية أصبح عكسياً تماماً، فبدل أن يساهم الخريجون في تسريع عجلة التنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي، نرى أنهم أصبحوا من المعوقات الأساسية لعجلة التنمية.
في سنوات سابقة، كان البعض يقول إن بطالة الخريجين يمكن حلها من خلال إمداد السوق العربية، وخاصة الخليجية، بالكفاءات الفلسطينية، ربما هذا كان صحيحاً قبل عشرين أو ثلاثين عاماً.. ولكن الأسواق العربية بما فيها الخليجية أصبحت تعاني من ظاهرة بطالة الخريجين.
السؤال: ما الحل؟ الحل كما في الدول الأوروبية ـ وعلى سبيل المثال ـ ألمانيا حيث إن عدد خريجي الثانوية الذين يواصلون الدراسة الأكاديمية يصل إلى نحو 25%، بينما الغالبية العظمى يذهبون إلى ما يسمى العمالة الماهرة، وهي التي ترفد المصانع والمشاغل.
قد يقول قائل: ولكن من أين لنا مشاغل ومصانع، هنا تكمن المشكلة في الدولة وأصحاب رؤوس الأموال الذين يستثمرون في الربح السريع دون النظر إلى مفهوم التنمية، وبذلك لا يمكن حل المشكلة التي ستكبر ككرة الثلج التي ستدمر كل من يقف في طريقها.