الأيادى المرتعشة لا تحمى شعباً ودولة

thumbgen (36).jpg
حجم الخط

 

كثيرة هى الجرائم الإرهابية التى تُرتكب بحق مصر والمصريين على مختلف انتماءاتهم ووظائفهم. الجرائم التى تُرتكب تتسم بالبشاعة الشديدة والدموية، وتفاخر جماعة الإخوان الإرهابية بهذه الجرائم، وتستخدمها كمؤشر على عدم الاستقرار فى البلاد والذى تُرجعه إلى خلع مرسى، وهو ما سبق وحذّر منه أحد قيادات الجماعة، محمد البلتاجى، الذى قال أمام الكاميرات: «هذا الذى يحدث فى سيناء سوف يتوقف فى الثانية التى يتراجع فيها عبدالفتاح السيسى عن انقلابه على الرئيس». وخرجت عناصر من الجماعة والجماعات الشقيقة لها تنبئنا بأنه ستكون هناك تفجيرات ومففخات ودم وعنف فى البلاد. وبالفعل بدأت الجماعة ورفاقها فى نشر الخراب والدمار ونثر الدماء على أرض مصر، دماء رجال من الجيش والشرطة، دماء الأقباط شيوخهم وأطفالهم، دماء مصريين أبرياء نُثرت فى أنحاء مختلفة من البلاد.

الغريب والعجيب أنه فى الوقت الذى تنشر فيه الجماعة وفروعها فى المناطق المجاورة الخراب والدمار فى شتى أنحاء البلاد، وفى الوقت الذى فُرضت فيه حالة الطوارئ فى البلاد، فإن من يُلقَى القبض عليه من هؤلاء المجرمين الإرهابيين يحيا معززاً مكرماً فى السجون ويدخل فى محاكمة تستمر سنوات وسنوات، وهناك من رجال القضاء من يستشعر الحرج فيقرر التنحى عن مواصلة نظر قضايا إرهابية، وهناك إجراءات تقاضٍ طويلة تستمر سنوات وسنوات، ويتواصل الإرهاب. أكثر من ذلك، فبينما تستمر هذه الجرائم ويجرى التآمر على البلد بالتنسيق مع دويلات ودول وفروع تابعة للجماعة تخرج علينا دعوات متكررة من حين إلى آخر تدعو الدولة للتصالح مع الجماعة.

يتجاهل الداعون إلى المصالحة بين الدولة والجماعة سمة من بين أهم سمات الدولة التى يوجد اتفاق حولها بين دارسى النظم السياسية، وهى أنها هى التى تحتكر أدوات القوة، بمعنى أنها تحتكر استخدام السلاح ولا مجال لاستخدام جماعة فى الدولة السلاح ضد المواطنين أو ضد الدولة نفسها. واستخدام أدوات القوة أو العنف هنا يكون وفق القانون وبموجبه، أى ليس استخداماً مزاجياً أو خارج إطار القانون. بمعنى أن استخدام مؤسسات الدولة لما لديها من أدوات قوة إنما يكون وفق الحدود التى يرسمها القانون وفى الحالات التى ينص عليها، وتكرس الدولة هيبتها وتحافظ عليها حسب درجة الالتزام بالقانون والحدود التى يرسمها، فخروج القائمين على الحكم عن القانون وتجاوز المنوط بهم تطبيقه للحدود التى يرسمها إنما يضخم من دور المؤسسات والقائمين عليها إلى الدرجة التى قد تصل إلى وصفهم بالخروج على الشرعية. ووفق هذه الرؤية فللدولة ومؤسساتها هيبة واجبة، فلا مجال للخروج على الدولة بالسلاح ولا مكان لتحدى الدولة ومؤسساتها. المحدد الرئيسى هنا هو مدى الالتزام بالدستور والقانون، فكلما كان هناك التزام من قبَل الدولة ومؤسساتها والقائمين عليها بالدستور والقانون وكان التطبيق والتنفيذ عاماً مجرداً، كرس ذلك هيبة الدولة ومؤسساتها فى عيون المواطنين، أما خروج مؤسسات الدولة والقائمين عليها على مضمون القانون والحدود التى يرسمها فذلك يُضعف من هيبة الدولة ومؤسساتها والقائمين عليها، قد تتشكل صورة للدولة باعتبارها باطشة أو متجبرة، وقد يفرض ذلك خشية فى نفوس المواطنين، لكنها خشية ظاهرية غير مخلوطة بالهيبة تنتظر الفرصة للخروج عليها.

ما تعانى منه مصر اليوم هو تراجع هيبة الدولة ومؤسساتها فى عيون قطاعات من المصريين، وذلك من بقايا فوضى ما بعد الثورات، فما حدث فى مصر بعد الخامس والعشرين من يناير من تفكك جهاز الشرطة واقتحام السجون وخروج نحو خمسة وعشرين ألف سجين وانتشار الفوضى والعنف المجتمعى، كل ذلك أدى إلى فقدان هيبة الدولة ومؤسساتها، وتفاقم الموقف خلال سنة حكم مرسى التى كانت سنة تنفيذ مخطط هدم مؤسسات الدولة المصرية وتحويلها إلى ملاذ آمن للإرهابيين من شتى أنحاء العالم، وهو ما ندفع ثمنه اليوم فى عشرات من الجرائم الإرهابية البشعة. نعم مصر استعادت قوتها وعافيتها، وتعمل على تجاوز حالة التردى الاقتصادى التى ترتبت على ست سنوات من الفوضى، يبقى فقط أن يتصدر للمسئولية رجال بمعنى الكلمة، يؤمنون بمصر دولة قوية خالدة، لا ترتعش أياديهم ولا يستشعرون الحرج من أداء مهامهم، وأن تستخدم مؤسسات الدولة ما لديها من صلاحيات، وعلى رأسها قانون الطوارئ، وإلا لماذا طلبت الحكومة فرض الحالة فى طول البلاد وعرضها؟ الحل فى رحيل أصحاب الأيادى المرتعشة ومَن فى قلوبهم مرض بحب الجماعة.

عن الوطن المصرية