مصير غزة تحت حكم حماس

images (1).jpg
حجم الخط

 

أصدرت الأمم المتحدة تقريراً صادماً 11 يوليو الجارى عن الأوضاع فى قطاع غزة بعدعشر سنوات من حكم حماس حذرت فيه من أن القطاع الذى يقيم فيه مليونا مواطن فلسطينى أصبح فعلياً غير صالح للحياة نتيجة الحصار الخانق الذى تفرضه إسرائيل براً وبحراً وجواً عليه، خاصة بعد المتناعها عن توفير احتياجات القطاع من الوقود والخدمات على خلفية توقف السلطة الوطنية الفلسطينية عن تسديد قيمة فواتير الوقود والكهرباء المقدمة للقطاع، وبما أدى إلى خفض معدل تشغيل محطة الكهرباء الرئيسية بالقطاع لتصبح ساعتين يومياً، وبالتالى تدهور الخدمات الصحية ومياه الشرب والصرف الصحى، كما أشار التقرير إلى أن إغلاق السلطات المصرية معبر رفح الذى يعد المعبر الوحيد الذى لاتسيطر عليه إسرائيل ويربط القطاع بالعالم الخارجى يتسبب فى زيادة معاناة السكان الفلسطينيين، وهو ما يمثل تراجعاً فى دور المنظمة الدولية من تحمل المسئولية تجاه القضية الفلسطينية التى يتم اختزالها اليوم فى فتح معبر رفح وتوفير الحياة اللائقة لسكان القطاع. رغم مشروعية الهدف الذى تروج له السلطة الفلسطينية من إجراءاتها ضد القطاع الرامية للضغط على حماس لقبول خطة الرئيس لتوحيد الصف الفلسطينى التى تتضمن تشكيل حكومة وحدة أو وفاق وطني، وتمكينها من العمل فى قطاع غزة، على أن تلتزم ببرنامج الرئيس السياسى، والذهاب إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بهدف إجبار الحركة على إنهاء الانقسام الجغرافى والسياسى بين الضفة والقطاع، فى ظل فشل الجهود المبذولة خلال السنوات العشر الماضية فى الضغط على حماس للتجاوب مع مساعى المصالحة الوطنية بين القوى والفصائل الفلسطينية، إلا أن بعض تلك الإجراءات اتسمت بالعشوائية وعدم دراسة تداعياتها على الأوضاع المعيشية والإنسانية فى القطاع، وهو مادفع مصر خلال الأسبوع الحالى لدعوة جميع الفرقاء لإجراء مباحثات حول سبل تجاوز الأزمة الراهنة بالقطاع، فكانت استضافة الرئيس الفلسطينى/ محمود عباس، ودعوة قادة حركة حماس بالقطاع، ومحمد دحلان للقاهرة لوضع قواعد تضمن التخفيف من حدة المعاناة التى يتعرض لها سكان القطاع، بالتوازى مع اتخاذ «حماس» إجراءات أمنية على الحدود وفى داخل غزة تساعد على تحقيق أهداف الأمن القومى المصرى، مقابل بيع مصر للوقود والسماح بعبوره إلى غزة. وترى مصر أن الإجراءات العقابية ضد الشعب لا يمكن أن تحقق الوحدة لأنها تكرس الانقسام، كما أن تطبيقها يمكن أن يشكل مساساً بالأمن القومى المصرى، لأن ما يجرى على الأرض بغض النظر عن الأهداف المعلنة يسرع التحول إلى الانفصال، وقد سعت حماس للتفاهم مع تيار دحلان لتكريس الانقسام داخل حركة فتح، وتخفيف الأزمة الاقتصادية التى تمر بها فى القطاع، حيث إن تطبيق هذه التفاهمات إذا تجاوز حل المشاكل المعيشية والإنسانية التى يمر بها القطاع إلى عقد اجتماع للمجلس التشريعى من دون توافق وطنى، وعقد مؤتمر للإنقاذ الوطنى بمشاركة فريق ومقاطعة آخر، سيؤدى على الأرجح إلى ترسيخ الانقسام وتحويله إلى انفصال، ولذلك فإن المدخل لإنهاء الانقسام يكون من خلال الشروع فى حوار وطنى شامل لبلورة رؤية وطنية جامعة تجسد القواسم المشتركة، يتم على أساسها إعادة بناء مؤسسات المنظمة بحيث تضم مختلف ألوان الطيف السياسي، وإعادة النظر فى شكل السلطة وطبيعتها ووظائفها والتزاماتها وعلاقتها بالمنظمة لتكون أداة من أدواتها.

وتطرح معطيات الأوضاع السائدة حالياً على الساحة الفلسطينية وتحركات القوى والتيارات المؤثرة فى عملية صنع واتخاذ القرار الفلسطينى السيناريوهات التالية:

الأول: سيناريو الأمن مقابل تخفيف أزمات القطاع ويقوم على عدم حدوث تغيير فى الوضع القائم بانتظار ما يمكن أن يحدث فى الأزمة الخليجية، فى ظل تخوف كل من مصر وإسرائيل من إمكانية انفجار الوضع أو حدوث حرب جديدة، مما يعزز مقاربة الأمن مقابل تخفيف الأزمات، مع مواصلة العمل من أجل إقامة دولة فلسطينية على الأراضى المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس، لاسيما وأن مصر لا يمكن أن تعطى بعداً سياسياً أكبر من ذلك لاتفاقها الأمنى مع «حماس» التى تعتبرها امتداداً لجماعة الإخوان، فى ظل الدعوة الأمريكية لاعتبار «حماس» منظمة إرهابية.

الثاني: سيناريو مواصلة إدارة الانقسام ويقضى بالتوافق على قيام حكومة حمد لله بعد تعديلها فى الضفة والقطاع بالتحضير لإجراء الانتخابات، مع مواصلة الحوار للاتفاق على القضايا العالقة (البرنامج السياسي، المنظمة وكيفية التعامل مع التزاماتها، الموظفين، الأجهزة الأمنية، الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة)، لتجنب الأضرار التى ستلحق بالشعب الفلسطينى ومشروعه الوطنى وقضيته، فى ظل تفضيل الإدارة الامريكية للحل الإقليمى، وسعيها لإعطاء الأولوية لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، وتشجيع انفصال غزة، ومطالبة السلطة بوقف دفع رواتب عَائلات الشهداء والأسرى، ووقف التحريض فى وسائل الإعلام ومناهج التعليم.

الثالث: سيناريو تحقيق الوحدة على أسس وطنية وديمقراطية ومشاركة كاملة وهو الخيار الأفضل، كونه يعبر عن المصلحة الحقيقية لأغلبية الشعب الفلسطينى، إلا أن التطورات الراهنة محلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً، لا تساعد على تجاوز المأزق الذى تعيشه القضية الفلسطينية، الأمر الذى يتطلب تضافر جهود القوى والتيارات الفلسطينية على أمل انتفاضة الشعب الفلسطينى لفرض إرادته على الجميع، وتحسن الأوضاع العربية لتوفير العمق الاستراتيجى للجانب الفلسطينى.

الرابع: سيناريو تعميق الانقسام باتجاه الانفصال، وهو الأخطر لأنه يزيد من فرص نجاح المشروع الأمريكى/ الإسرائيلى لتصفية القضية الفلسطينية، فى ظل عدم احتفاظ العرب بمشروع للتسوية، وتقدير بعض الدول العربية بأن الخطر الإيرانى هو الخطر الأساسى، ومن ثم تحول الصراع من صراع عربى / إسرائيلى إلى صراع سنى/ شيعى فى منطقة الشرق الأوسط.

بالنظر إلى استمرار تدهور الوضع العربى، وانشغاله بأزمات وصراعات داخلية وإقليمية، خاصة بعد تفجر الأزمة الخليجية مع قطر، فلم يعد أمام حماس فى ظل قيادتها الجديدة للحفاظ على بقائها سوى التحالف مع اعدوهاب دحلان، وتوفير المتطلبات الأمنية لمصر، بالتوازى مع محاولة تحقيق التوازن فى علاقتها مع المحور القطرى التركى الإيرانى، فى ظل صعوبة احتفاظ حماس بسياسات ترضى المحاور المتصارعة، خاصة أن قطر يمكن أن تضحى بـها بعد أن طلبت من قياداتها مغادرة الدوحة، الأمر الذى يتطلب ضرورة إعطاء الجانب العربى الأولوية لمعالجة المشكلات المعيشية والإنسانية التى يعيشها قطاع غزة، مع عدم اتخاذ إجراءات جديدة تكرّس الانقسام، بالتوازى مع حل اللجنة الإدارية ووقف الإجراءات العقابية من السلطة الفلسطينية، والشروع فى حوار وطنى شامل لتطبيق الاتفاقات الموقعة وتطويرها بما يعالج التحديات والمخاطر الجديدة، وبما يضمن بقاء القضية الفلسطينية فى دائرة الضوء، وتقويض المخططات الرامية إلى تصفيتها عبر أشكال وأطراف متعددة، بما فى ذلك على أيدى الفلسطينيين أنفسهم، من خلال تشجيعهم على استمرار الانقسام وتحويله إلى انفصال بين الضفة والقطاع.

عن الاهرام