28 أيار 2015
سعى نتنياهو كي يكون اجتماعه الأول مع النائب الفلسطيني أيمن عودة رئيس كتلة القائمة العربية اليهودية المشتركة يوم الخميس 21 أيار 2015، اجتماع علاقات عامة بهدف تحسين سمعته، وإظهار نفسه على أنه رئيس حكومة جميع المواطنين، بمن فيهم الوسط العربي الفلسطيني في مناطق 48، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، ودوافعه لهذا اللقاء الذي تم بناء على طلبه، محاولة تبديد الانطباعات الدولية المتراكمة حول اتساع سياسة التمييز والإقصاء التي مارستها حكومات تل أبيب المتعاقبة، وزادت في عهد إداراته السابقة 2013 - 2015، حيث تم خلالها تشريع العديد من القوانين العنصرية المؤذية بحق المواطنين العرب، بمبادرة من حكومته وحزبه ومن قبل شركائه في الائتلاف، إضافة إلى أن برنامج حكومته الحالية في غاية السوء والانحدار في إظهار التمييز الفاقع سواء الإقرار بتنفيذ قانون برافر ضد أهالي النقب، والعمل على تدمير قرية حورة، وبناء مجمعات يهودية على أنقاضها وغيرها من السياسات ذات الطابع العنصري، ولذلك كان لقاؤه مع أيمن عودة، الذي فرضته الأحداث الجارية، والتطور الذي طرأ على المشهد السياسي الإسرائيلي، انعكاساً لسببين جوهريين هما:
أولاً: لأن سياسته المتطرفة المعبرة عن برنامج التحالف الذي يقوده مع باقي أحزاب الائتلاف اليميني ذات النزعة والسلوك العنصري الإقصائي ضد المواطنين الفلسطينيين العرب الذين يشكلون خُمس المجتمع الإسرائيلي، وتصريحاته الهوجاء وتحريضه المعلن ضد المصوتين العرب، دفعت الرئيس الأميركي لانتقاده وتوجيه اللوم له، وترك هذا أثراً بليغاً عن فحوى سياسة تل أبيب العنصرية لدى الأوروبيين وقطاع من الأميركيين، وكشفها وتعريتها، وهي سياسة تراكمية، تدفع نحو تحرير الأوروبيين قبل الأميركيين من عقدة تبني سياسات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي ودعمها، بل تُعطيهم الشجاعة نحو توجيه النقد لها، والتخلص من أن يبقوا أسرى السياسة التقليدية التي شكلت غطاء للسياسة الإسرائيلية، نظراً لكون السياسة الإسرائيلية وإجراءاتها لم تعد احتلالية توسعية استيطانية في مناطق 67 وحسب، بل عنصرية تمييزية إقصائية في مناطق 48، وهو تطور بليغ ومهم، دفعت بالرئيس أوباما لأن يقول ما قاله بحق نتنياهو، وبحق سياسة إسرائيل التي تتعارض في سلوكها العنصري مع القيم الديمقراطية الأميركية والأوروبية.
والثاني: التحالف بين المكونات السياسية الأربعة الفاعلة لدى الوسط العربي في مناطق 48، الجبهة الديمقراطية برئاسة النائب أيمن عودة، والحركة الإسلامية برئاسة النائب مسعود غنايم، والتجمع الوطني برئاسة النائب جمال زحالقة، والحركة العربية للتغيير برئاسة النائب أحمد الطيبي، وخوضهم الانتخابات بقائمة مشتركة ناجحة، ظهرت نتيجته عبر الانتخابات وطغى على المشهد السياسي بحضور شعب آخر برز وجوده، وهوية إضافية، وقومية ثانية، داخل إسرائيل، لم يستطع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي هضمها، وتبديد وجودها، وطمس هويتها وقوميتها ومواطنتها خلال عشرات السنين، ما استوجب التعامل معهم أو بحث إمكانات التفاهم والتعاون معهم، باعتبارهم حقيقة بشرية قائمة لها خصوصيتها ومصالحها وأولوياتها على أرض بلادها منذ مئات السنين، فشلت الصهيونية ومشروعها وأدواتها بترحيلهم كما حصل مع باقي أبناء شعبهم الذين تم طردهم وتشريدهم وترحيلهم من مدنهم وقراهم الأصلية عامي 1948 و1967.
ولذلك يمكن الاستخلاص أن ثمة حقيقتين ماثلتين متصادمتين على الأرض الواحدة : حقيقة الوجود العربي الفلسطيني في مناطق 48 كجزء لا يتجزأ من مكونات الشعب العربي الفلسطيني، وحقيقة التطرف والعنصرية وسياسة الإقصاء التي تنتهجها حكومات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، والمتراكمة نحو المواطنين العرب الفلسطينيين في مناطق 48.
وكشف أيمن عودة فحوى ما جرى في اللقاء الذي أكد له نتنياهو خلاله على أهمية العمل المتواصل لتقليص الفجوات داخل المجتمع الإسرائيلي، واقترح إجراء حوار منظم بين طاقم حكومي من الوزراء، وبين النواب العرب في البرلمان، بهدف إعداد خطة اجتماعية اقتصادية لمعالجة القضايا التي تخص المواطنين العرب.
وقال أيمن عودة في أعقاب اللقاء مع نتنياهو : «خرجت الآن من لقاء غير سهل مع رئيس الحكومة، كنت خلاله ممثلاً للأقلية الأكبر في هذه البلاد، هذه الأقلية التي اختار رئيس الحكومة وكجزء من حملته الانتخابية المخزية أن يحرض ضدها وضد مواطنة أفرادها، لقد تفوهت بأقوال بهذه الروح أمام رئيس الحكومة وأنا أعيد وأكرر بأنه لا يعقل أن يقوم رئيس الحكومة بإصدار تصريحات ضد تصويت المواطنين».
وأضاف: «من ناحيتي كان اللقاء لقاء عمل، في الفترة التي يعيش فيها الجمهور العربي في ضائقة صعبة ومتزايدة، وفي الوقت الذي تقض مضاجع الناس أزمة سكن لا يمكن احتواؤها، والتهديدات بهدم عشرات الآلاف من البيوت وإلقاء عشرات الآلاف من المواطنين إلى الشارع بدون مأوى، ولعل المثال الأصعب والأشد، من الفترة الأخيرة هو نية الحكومة هدم قرية أم الحيران من أجل بناء بلدة يهودية على أنقاضها».
وأضاف أيمن عودة قائلا: «عرضت على رئيس الحكومة خطة إصلاحات مفصلة في مجال التخطيط في البلدات العربية، بالإضافة إلى المطالبة الواضحة بشكل فوري لوقف عمليات هدم البيوت، وبدء حوار مع المواطنين بهدف إيجاد حلول حقيقية وقانونية لأزمة السكن في القرى غير المعترف بها».
وأضاف «تباحثت مع رئيس الحكومة في الحاجة لإيجاد وظائف نوعية للشباب والشابات العرب، تباحثنا في الحاجة إلى قيام الوزارات بتخصيص الميزانيات للوسط العربي، ومنح ميزانيات للمجالس المحلية العربية والاستثمار في التعليم العالي في الوسط العربي».
وأردف عودة قائلا: «للأسف مع هذه الحكومة يبدو أن كل محاولة لبحث إنهاء الاحتلال والتوصل لسلام عادل يبدو وكأنه مهزلة عبثية، كما ظهر الأمر في جلسة التصويت على تشكيلة الحكومة، وليس كحوار من شأنه أن يفضي لنتائج حقيقية، ولكن شعرت أن علي أن أكرر أمام رئيس الوزراء أن الشعب الفلسطيني يستحق الحرية والعيش تحت الشمس بالإضافة إلى أن السلام العادل هو مصلحة عامة لكل المواطنين العرب واليهود على حد سواء».
رسالة مهمة استكمالية وضرورية، أن ندركها جميعها والمتمثلة بالنضال الوطني الفلسطيني المتعدد الأشكال والوسائل والأدوات على الجبهات الثلاث : 1- النضال من أجل التخلص من التمييز والعنصرية وتحقيق المساواة في مناطق 48، 2- النضال من أجل كنس الاحتلال والاستيطان والتهويد وتحقيق الحرية والاستقلال لمناطق 67، و3- النضال من أجل حق عودة اللاجئين إلى القرى والمدن التي طردوا منها عام 1948، واستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها.