حول ما يريده الشياطين لسورية

xICix.jpg
حجم الخط

 

ثمة حديث عن بداية لنهاية النزاع السوري الذي تتسابق فيه الأطراف المحلية مع الزمن لتأكيد حضورها في هذا المشهد المأساوي، بعيد تراجع مستوى القوة «الداعشية» في محافظتي الرقة ودير الزور، وسط وشمال سورية.
الحديث عن نهاية محتملة للنزاع السوري يأتي انطلاقاً من عاملين: الأول يتعلق بتفاصيل النزاع على الأرض، وتقهقر تنظيم «داعش» الإرهابي في مناطق وجوده بكل من دير الزور والرقة، إلى جانب اختفائه الكامل من مدينة الموصل العراقية، وتأثير هذا التراجع على حضوره في المشهد السوري.
العامل الثاني له علاقة بالدول الكبرى المؤثرة في النزاع السوري، التي تجهز نفسها وتعكف على وضع خريطة طريق لسورية بعد النزاع وبعد إقصاء «داعش» هناك، إذ يبدو واضحاً أن سورية لن تعيش لحظة الانتصار والاستقرار حتى بعد النزاع.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي انتخب في شهر أيار الماضي، أخذ موقفاً يشبه الموقف الأميركي تماماً في التعامل مع النزاع السوري، حيث قال بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية: إنه لا داعي للتركيز على موضوع رحيل الرئيس بشار الأسد في مفاوضات النزاع حول سورية.
ماكرون استدرك أن هناك قوى دولية وإقليمية حاضرة ومؤثرة في النزاع السوري، ولا يمكن إقصاؤها أو التعامل معها باستخفاف، ولذلك فإنه فضّل المعادلة التي تعامل معها نظيره الأميركي ترامب، حين ركّز على أولوية محاربة تنظيم «داعش»، وعدم التفكير واستغراق الوقت في مطالبات رحيل الأسد.
الرئيس الفرنسي حين زاره ترامب قبل أكثر من أسبوع، تباحثا في إمكانية وضع خريطة طريق لمستقبل سورية، تزامن مع طرح فرنسا مبادرة تستهدف تشكيل مجموعة اتصال دولية للتركيز في أمر النزاع السوري، على أن يشمل التفاوض عدم طرح موضوع أمر الرئيس الأسد.
ماكرون اقترح دعوة أعضاء مجلس الأمن الدولي أصحاب العضوية الدائمة للانخراط في مجموعة اتصال دولية بشأن سورية، يضاف إليهم قوى إقليمية مثل إيران وتركيا، لكن ترامب الذي قبل هذه الدعوة من حيث المبدأ، دعا إلى اعتبارها مقصورة تحديداً على دول مجلس الأمن دائمة العضوية.
الموقف الفرنسي من هذه الدعوة قفز عن مساري أستانا وجنيف، ذلك أن الأمر يعني استحداث مسار جديد مرتبط بالقوى الدولية الفاعلة في سورية، وهي دعوة مرتبطة بالأوضاع الدراماتيكية التي يشهدها النزاع السوري، خصوصاً وأن هناك مساعي حثيثة لإعادة تشكيل القوى السورية المحلية الفاعلة على الأرض.
خريطة النزاع السوري تشهد الآن وجود ثلاث قوى لا يمكن تهميشها بحكم الإمكانيات والقدرات العسكرية، إذ هناك قوات سورية الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة الأميركية، وهناك تنظيم «داعش» الإرهابي الذي ما يزال يمتلك قدرات عسكرية ولو أنها تضمحل يوماً بعد يوم.
أيضاً هناك القوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا وإيران، وهذه القوات هدفها تصفية المعارضة المعتدلة، كونها أكثر الأخطار التي تهدد مستقبل النظام السوري بعد تنظيم «داعش»، الذي تحاربه القوات السورية من أجل تعظيم نفوذها وسيطرتها على مناطق نفوذ هذا التنظيم الإرهابي.
إلى جانب خريطة تواجد القوى المحلية، هناك وجود روسي قوي، وآخر إيراني يدعم النظام السوري، وفي المقابل تحضر الولايات المتحدة الأميركية في قواعد عسكرية متنوعة في شمال سورية، كما توجد قوات فرنسية وأخرى تركية على أهبة الاستعداد لمحاربة الأكراد في سورية إذا لزم الأمر.
هذا الوجود الدولي في سورية يعكس موقفاً من مستلزمات ما بعد النزاع، وإلا لماذا يتفق ترامب وماكرون على إيجاد خريطة طريق لمستقبل سورية بعد النزاع؟ وماذا يُفسَّر الوجودان الأميركي والفرنسي في سورية؟ وما طبيعة هذا الدور؟
الجميع متفق على أن روسيا «مرابطة» في سورية انطلاقاً من وجود إستراتيجي يؤمن لها حضوراً فاعلاً في الشرق الأوسط، وكذلك الحال بالنسبة لإيران التي تلعب دور المنقذ لتحالف يحقق لها ضبط التوازن العسكري في المنطقة.
وبخصوص تركيا، عدا كونها سعت إلى خلق دور إقليمي من الملعب السوري ولم تفلح كثيراً في ذلك، فإنها تركز على سورية لحماية ظهرها من تنامي وتصاعد نفوذ الأكراد واحتمال أن يتعاظم دورهم إلى حد المطالبة بدولة كردية على الحدود السورية- التركية.
يبدو أن الخوف لم يعد يتركز في موضوع رحيل الأسد عن السلطة، بقدر ما أنه خوف من إيجاد مناطق نفوذ دولية في المربع السوري، إما بحضور الدول الكبرى أو بنشاط وكلائها المحليين على الأرض، ولذلك يجوز القول: إن خريطة مستقبل سورية التي اخترعها الثنائي ماكرون- ترامب مستنسخة من فكرة اتفاقية سايكس بيكو أثناء الحرب العالمية الأولى.
تركيا المقهورة جداً من الموقف الأميركي الداعم لقوات سورية الديمقراطية، كشفت جديداً عن تقرير يحدد عشرة مواقع عسكرية أميركية تقع في الشمال السوري، حتى أنها كشفت عن معرفتها بتعداد القوات الأميركية والفرنسية هناك.
ربما كانت فكرة الأميركان والفرنسيين هي إقواء وكلائهم المحليين والمراهنة عليهم في الحصول على مكاسب سياسية، أو مراهنة على الوجودين الأميركي والفرنسي لجهة اقتسام سورية بعد انتهاء النزاع وإقصاء تنظيم «داعش» عن كامل المشهد السوري.
القوى الدولية التي قبلت على مضض فكرة إسقاط موضوع رحيل الأسد عن السلطة، لا ترغب أبداً في تقديم هذا البلد على طبق من ذهب إلى روسيا وإيران، ولذلك فإن وجودها في سورية قد يعني بالضرورة الحديث عن مناطق نفوذ دولية.
في كل سوابق الحروب العالمية وغير العالمية، كان يجري تقاسم الغنائم بين المنتصرين وحتى على المتساوين في القوة، وشواهد الحرب في شبه الجزيرة الكورية وكذلك الحال الحربين العالمية الأولى والثانية وتقسيم ألمانيا هي حاضرة في الأذهان إلى يومنا هذا.
على هذا الأساس، فإن القوى الدولية لا تزال غير متقبلة لفكرة منتصر ومهزوم، ولذلك فإن الهدف بالنسبة لها هو شيطنة سورية حتى في مرحلة ما بعد النزاع، وقد تكون خريطة الطريق التي دعت إليها باريس وواشنطن جزءاً من عملية الشيطنة هذه لابتزاز كل من روسيا وإيران على القبول بتوزيع الغنائم بعد أن يضع النزاع أوزاره.