حب الشعب الفلسطيني لمصر لا يقل عن حبه لبقية البلدان العربية ،بل إن حبه وتقديره لمصر له خصوصية نابعة من الجوار الجغرافي وتاريخ التعايش المشترك والنضال المشترك في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ،إنه حب نابع من عمق الانتماء القومي للفلسطينيين ومن إحساس الفلسطينيين بأن نهضة مصر وتطورها واستقرارها يعني نهضة الأمة العربية واستقرارها ،وانتكاسة مصر انتكاسة للعروبة وللاستقرار في المنطقة .
صحيح أن العلاقة بين الشعبين تخللتها أزمات وتوترات ،إما بسبب تصرفات ومواقف من أطراف فلسطينية أو مصرية ،فيها إساءة فعلية للطرف الثاني أو نتيجة سوء فهم لهذه التصرفات والمواقف التي لم يكن المقصود منها الإساءة ،ولكن في النهاية كان صوت العقل والمصلحة القومية المشتركة يتغلبان على المشاكل وتعود العلاقة علاقة سوية تؤَسَس على تقدير واحترام الشعب الفلسطيني لمصر الشعب والقيادة والأخ الأكبر ،وتفهم مصر لخصوصية الحالة الفلسطينية وتشابك وتعقد مكوناتها وثقل التأثيرات الخارجية عليها . خصوصية وعمق العلاقة بين مصر وفلسطين تسمح لنا بالحديث عن الأمن القومي المشترك بين الطرفين ،والذي يفترض أن لا تؤثر عليه أي خلافات سياسية عابرة .
والمقصود بذلك وقوف الشعب الفلسطيني شعبا وقيادة إلى جانب مصر في كل ما يمس أمنها القومي ،سواء تهديد وحدة أراضيها وشعبها أو إرهاب الجماعات المتطرفة.وفي نفس الوقت وقوف مصر شعبا وقيادة إلى جانب الشعب الفلسطيني لحماية أمنه القومي في قضيتي وحدة الشعب ووحدة أراضي السلطة والدولة الفلسطينية المنشودة من جانب ومساندة الشعب الفلسطيني في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه من جانب آخر . كانت السنوات الأربع الأخيرة الأكثر سوءا للعلاقة بين الطرفين. ففي مصر اشتدت وتيرة خطاب التحريض والتشكيك بالمواقف والسياسات لتنتقل من المستوى الرسمي للمستوى الشعبي وللمنابر الإعلامية لدرجة شيطنة الشعب الفلسطيني بكامله ،وفي المقابل تشكيك بعض المنابر والأطراف الفلسطينية بموقف مصر من القضية الفلسطينية .
كان التداخل والارتباط بين حركة حماس والإخوان المسلمين وعلاقة حركة حماس بمحاور عربية معادية لمصر الدور الأكبر في توتير العلاقة بين الطرفين ،ثم دخل عامل جديد وهو علاقة أطراف سيادية في مصر مع محمد دحلان المعارض للرئيس أبو مازن لتصبح العلاقة أكثر تعقيدا وإرباكا وخصوصا بعد مبادرة الرباعية العربية حول المصالحة الفلسطينية والتي رفضها الرئيس أبو مازن .
الطرف الفلسطيني دائما هو المتضرر من أي توتير في العلاقة بين فلسطين ومصر ،صحيح قد تتضرر مصر من بعض السلوكيات والمواقف الفلسطينية وخصوصا في الجانب الأمني وفيما يتعلق بالتباس الوضع في سيناء وعلى الحدود مع مصر ،ولكن في الحسابات الاستراتيجية فإن فلسطين ستكون هي الخاسر الأكبر من الخلاف مع مصر ،حيث لا توجد دولة عربية أو غير عربية يمكنها ملء فراغ غياب مصر أو تراجعها عن دورها في الشأن الفلسطيني .
نعم ،قد يشعر الشعب الفلسطيني بالاستياء أو يعتب على مصر من بعض المواقف والسلوكيات وهو عتب الأخ على أخيه ،ولكن الشعب الفلسطيني لا يقبل بأي شكل من الاشكال أن تتضرر المصالح القومية المصرية أو تصاب مصر بأي سوء ،بغض النظر عن النظام السياسي القائم لأن هذا أمر داخلي يخص الشعب المصري وهو الأقدر على تقييم أوضاعه الداخلية واختيار من يناسبه من الحكام ،وفي نفس الوقت يتمنى الفلسطينيون على الأشقاء في مصر احترام وتقدير الشعب الفلسطيني الذي لا يقل في عراقته وتاريخه عن عراقة وتاريخ مصر ،وأن الفلسطينيين لا يقبلون أن تُمس كرامتهم حتى وإن جار الزمن وموازين القوى على قضيتهم ، وتواطأ عليهم وخذلهم حتى من يُفترض انهم أخوة في العروبة والدين .
وانطلاقا من ذلك فإن الفلسطينيين يستشعرون خطورة ما تتعرض له مصر من أعمال إرهابية ،وإذ يدينون هذه الأعمال فإنما لإدراكهم الأهداف الخبيثة للجماعات الإرهابية ومن يمولها ،وهي أهداف تتعدى حدود مصر لتمس الأمن القومي العربي برمته ،ذلك أن الإرهاب والإرهابيين ومن يدعمهم وبعد أن عاثوا خرابا ودمارا في سوريا والعراق وليبيا واليمن ، وبعد أن تمكن الشعب المصري وقيادته بعد ثورة 30 يونيو 2013 من تجنيب مصر مصير الدول المُشار إليها ،وبعد أن استشعروا أن مصر تستعيد قواها وتتهيأ لأخذ دورها القومي ، بعد كل ذلك يسعون لضرب الاستقرار في مصر ومن خلاله يسعون لتخريب أكبر وأهم قلعة عربية يمكن المراهنة عليها لاستنهاض المشروع القومي العربي .
لقد رأينا كيف أن الجماعات الإرهابية والتي توظف الإسلام لتبرير تصرفاتها ذهبت لتقاتل في كل مكان في العالم إلا فلسطين التي تحتلها إسرائيل وتدنس فيها مقدسات المسلمين ، ورأينا كيف أن إرهاب هذه الجماعات ومن يدعمهم ويوجههم دمر دول عربية -العراق وسوريا وليبيا - كانت الشعوب العربية تراهن عليها لاستنهاض الحالة العربية ومواجهة التحالف الأمريكي الصهيوني ،وقد دفعت القضية الفلسطينية ثمنا باهظا نتيجة أعمال هذه الجماعات .
عليه يصبح من الواجب الوطني والقومي على كل الشعوب العربية وعلى رأسها الشعب الفلسطيني بكل فئاته وأحزابه ليس فقط إدانة الأعمال الإرهابية التي تتعرض لها مصر الشقيقة بل التنسيق الكامل مع الدولة المصرية وأجهزتها الأمنية لمحاربة هذه الجماعات لأن كل عملية إرهابية في مصر لا تمس المصريين فقط بل تشكل أيضا طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني ،وإن كان هذا التنسيق يبدأ أمنيا من قطاع غزة فيجب أن يمتد سياسيا لتجنيد كل قدرات النظام السياسي الفلسطيني للوقوف إلى جانب مصر في حربها ضد الإرهاب ،فعندما ندعم ونساند مصر فإنما نساعد أنفسنا وقضيتنا الوطنية ونحمي الأمن القومي العربي .