لم تتعلم حكومات الاحتلال درس الاقتراب من الأقصى، وأن العبث بفتيل متفجر لن يؤدي إلاّ إلى إشعال سريع للمنطقة.
الأقصى لكل فلسطيني هو خلاصة قضيته، وبالتالي فإن الاعتداء عليه، يصبح اعتداءً شخصياً على كل فلسطيني، وبناءً عليه فإن هبّات الأقصى المتتالية هي الوحيدة التي يشارك فيها الشعب الفلسطيني بمختلف فئاته وشرائحه رجالاً ونساءً، شيوخاً وأطفالاً وشباباً، متدينين وغير متدينين، مسلمين ومسيحيين، ولا يمكن أن يقبل الفلسطيني بالهزيمة في هذا الملف، رغم الهزائم السياسية المتتالية منذ توقيع اتفاق أوسلو.
حكومة الاحتلال تعاود اللعب بنيران بركان قد يبدو لها خامداً، ولكن هيهات. ففي الثامن والعشرين من أيلول من العام 2000 عندما أصرّ أريئيل شارون على اقتحام الأقصى، لم يكن يُقدِّر حقيقة ما سيجرُّه هذا الاقتحام على المنطقة.. فكانت النتيجة مئات الشهداء وآلاف الجرحى الفلسطينيين، ولكن، أيضاً، مئات القتلى والجرحى الإسرائيليين، وخسائر اقتصادية غير مسبوقة.
مواجهات استمرت أكثر من 6 سنوات، وما زالت آثارها وتداعياتها ظاهرة للعيان حتى اليوم.
الاعتداءات على الأقصى تراكمت، وكل اعتداء إسرائيلي هو عبارة عن كمية إضافية من البارود على فوهة البركان، محاولة التقسيم الزماني والمكاني، اقتحامات المستوطنين بحماية قوات الاحتلال، الاستفزازات بمختلف أشكالها، ولكن تُوِّجت هذه الاعتداءات بالبوّابات الإلكترونية التي لا تهدف بالمطلق إلى جلب الأمن، وهذا ما يؤكده الإسرائيليون أنفسهم، بقدر ما تهدف إلى خلق أمر واقع جديد أساسه أن الأقصى تحت الاحتلال.
أحداث اليومين الماضيين هي مجرّد شرارة أولى، إذا لم يتم احتواؤها من خلال قرار إسرائيلي واضح بإزالة بوّابات الأمر الواقع، وإلا فإن المنطقة مرشّحة لحريق آخر.
الصحافة الإسرائيلية في مجمل تعليقاتها أمس حذرت نتنياهو من الإصرار على إبقاء هذه البوّابات، ورأت أنها أصبحت بمثابة الشجرة العالية التي صعد إليها، وأنه بحاجة اليوم إلى من يساعده على النزول عنها. ولكن يبدو أنه في ظل حكومة إسرائيلية يمينية عنصرية، فإن المستوطنين والمتطرفين هم من يقرر في دولة الاحتلال.
والسؤال: هل يرغب نتنياهو وحكومته بشلال دم جديد؟ ولكن، في قضية مثل «الأقصى» لن تكون الدماء الفلسطينية رخيصة... وسيدفع، أيضاً، الإسرائيليون ثمناً باهظاً ودماً إذا لم يكن هناك تفكير واقعي وتقييم صحيح لكيفية تطور الأحداث وتصاعدها خلال الأيام المقبلة.
أجهزة الأمن الإسرائيلية حذّرت، ولكن القيادة السياسية من المستوطنين تعيش أوهام قوتها.. في وقت لا يمكن للقوة أن تغير واقعاً دينياً في القدس.
اليوم يؤكد الفلسطينيون بشكل عام والمقدسيون بشكل خاص أنهم إذا ما أُجبروا على المواجهة من أجل الأقصى والمقدّسات، فلن يتردّدوا ولو دقيقة واحدة... والكل مستعد للتضحية.
شرطة الاحتلال وقيادتها السياسية أشعلت الفتيل، ولكن تظل هناك فرصة أمامهم لإخماده من خلال إبقاء الوضع كما كان قبل الاحتلال في العام 1967... دون ذلك فإن الأصابع التي أشعلت الحريق ستكون أوّل ما سيحترق.
مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
03 نوفمبر 2024