بقلم الكاتب: نبيل الزيناتي
لفت انتباه المراقبين مؤخراً، افتتاح رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله -في العاشر من يوليو لهذا العام- محطة تحويل طاقة كهربائية، في منطقة الجلمة بجنين، لتساهم في توفير كمية من الطاقة الكهربائية لسكان المدينة، الأمر حتى الآن جميل للغاية، بل ويستحق الثناء، لكن المسألة التي تستوجب التوقف عندها، كانت في حضور حكومة الاحتلال، حيث شارك في الاحتفالية الخاصة بافتتاح المحطة رئيس مجلس إدارة شركة الكهرباء القُطرية الإسرائيلية، ووزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينس ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة يوآف مردخاي، بالإضافة إلى بعض السفراء والقناصل والشخصيات الرسمية، حيث إن حضور الاحتلال بهذا المستوي هو أمرٌ يستحق البحث والوقوف عنده، ويستدعي فحصاً للمسألة بأبعادها وتداعياتها، وما تعكسه من واقعٍ يريد بعض الساسة ألا يكون ظاهراً للعيان، على الرغم من أنهم جميعاً يدركون أن الشمس لا تُغطى بغربال، وهي قضية لم تعد خافية على الفلسطينيين من أنها أعمال ناتجة عن سياسات واضحة بين الجانبين.
قراءة المسار السياسي للسلطة وحكومتها التي انتقلت من مرحلة التنسيق الأمني الذي يترتب عليه التأسيس لواقعٍ سياسيٍ مختلف، تنشأ بموجبه معطيات ميدانية وجغرافية مختلفة عن السابق، إلى مرحلة التنسيق الأمني المجاني دون أي مقابلٍ سياسي، كلها أمور تستحق أن يتأملها المرء بعيداً عن المناكفات الحزبية القائمة، أو التباينات الموجودة بين قيادات الشعب الفلسطيني، فعلى ما يبدو أن هناك من يخطط لثقافة سياسية تقوم على تكريس اتجاهات رأي عام فلسطيني يقدّم أو ينقل رسالة إلى أهالي قطاع غزة، مفادها أن السلام الاقتصادي والحلول السريعة للإشكاليات القائمة حالياً في الضفة الغربية بعيداً عن دفع أي ثمن سياسي، هو النموذج الذي يسمح للسكان الفلسطينيين بالرفاهية، وأن يد إسرائيل ستكون ممدودة للتعاون في هذا الإطار، بينما إصرار غزة على المواجهة وعدم توجه الناس للاقتتال فيما بينهم والتوجه نحو المصالحة لوحدهم وبرعاية مصرية، وتقديم نموذج فيه كرامة وطنية كفيل بجعلها تتمنى الجحيم بديلاً عن واقعها ولن تجده.
وربما كشف المشهد الاحتفالي صورة أو مؤشرات ما هو متفق عليه بين الجانبين سراً، وهو عبارة عن تفاهمات أمنية مشتركة بين الجانبين وحكم ذاتي محدود في الضفة الغربية، على أن تنشغل غزة بمشاكلها اليومية -الكهرباء والمياه والبطالة والصحة.. الخ- حتى لا تعطل غزة تطبيق تفاهماتهم بالشكل والمضمون الذي رأيناه في افتتاح محطة جنين.
المطلوب غزياً اليوم أن ينعكس المشهد، وأن تقدم غزة نموذجاً يحتذى به فلسطينياً، بحيث يمكن التحصن بالمقاومة والمصالحة فيما بينهم من جهة، والدفاع عن الكرامة الوطنية من جهة أخرى، وتحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي للفلسطينيين في القطاع المحاصر، وبالتالي نكون أمام مشهدين، أحدهما في الضفة الغربية يقوم على تحسينات اقتصادية مقابل شطب أي مشروع وطني جامع بين الضفة وغزة والقدس والثوابت والمقدسات.
والآخر في غزة يقوم على إنعاش اقتصادي والذهاب للمصالحة المجتمعية ومن ثم مصالحة سياسية شاملة تؤسس لإعادة المشروع الوطني لمكانته الصحيحة دون التنازل عن أي ثابت من ثوابت القضية الفلسطينية، والتأسيس لحياة مشتركة بين المتخاصمين السياسيين، وأظن عندها أن فرصة هذا النموذج سيلقي رواجاً ودعماً ومناصرة في كل أرجاء فلسطين، لأن البديل هو استمرار الرضوخ لهيمنة المحتل، واستمرار تراجع القضية الوطنية، وانهيار الأُسس والعقد الاجتماعي بين المواطن الفلسطيني وبين السلطة الفلسطينية التي خُلقت على قاعدة أن حلم الاستقلال سيكون في المستقبل القريب مجرد حلم ينبغي أن يفيق الفلسطينيون منه سريعاً.