تحسين يقين " في "30 رقما سريا" لسائد كرزون: الخلاص ممكن "

تحسين يقين " في "30 رقما سريا" لسائد كرزون: الخلاص ممكن "
حجم الخط

الى سائد كرزون وهو "يربي الأمل" لدى الشباب

لديه ما أمكنه عمله، وقد فعل، ولديه ما سيحققه إن أراد.

لدى سائد الشاب الفلسطيني الأسمر الجميل والحكيم ما يصنعه ولدينا.

-       خلاصنا كأفراد إن لم يمنحنا بوصلة للخلاص الجمعي سيظل ناقصا ومعرضا للخطر والزوال.

-       والأجمل زرع الأمل، نحن الآن بأمس الحاجة له.

مذيلا لاسم الكتاب بعبارة: "رحلة الصخرة الكونية وأسرار القوة الذهنية" وبإهداء الى الصديقة الكونية، يقدم الكاتب الشاب نصه الأدبي كهدية ومفتاح للشباب أمثاله، الباحثين عن أسباب النجاح الذين يتجاوزون ما يضيّق عليهم في رحلتهم في الحياة الإنسانية والمهنية والنفسية. إنه كتاب أدبي ينتصر للعامل الذاتي الداخلي في حياة الأفراد.

كتاب سائد كرزون "30 رقما سريا" ينتمي إلى أدب الشباب الذي يتبلور اليوم في فلسطين كما في البلاد العربية والعالم بما ينشد من خلاله الأدباء الشباب والشابات موجهة عوامل الإحباط، التي وإن لم يشر إليها صراحة، إلا نواتجها النفسية تؤثّر سلبا على القيم والثقة بالنفس. وهو أدب طموح يتلمس طريقه عبر البناء على المنجز من خلال توظيف ثقافة العصر وتقنيته.

المضمون:

عبر السرد القصصي منذ الولادة مرورا بالأسرة وتشكل الشخصية في محيطها الاجتماعي والمهني، ومن خلال استعراض مراحل النمو، وما يتركز في كل مرحلة (مجرة) من رموز وتجارب، ومن علاقات الأطفال، في البيت والشارع والمدرسة، وممارسة النشاطات كتعلم الموسيقى التي ساهمت في صقل الشخصية الرئيسية (فرحان) في العمل الأدبي، والعمل نجارا، والدراسة الجامعية والعمل أثناء التعلم ليستطيع الإنفاق على نفسه، واختيار تخصص "الإعلام" لما للكلمة من تأثير عليه، وتجريب التطوع بإسعاد الأطفال من خلال هوايته الموسيقية والسفر لباريس وصولا للعمل والحب والزواج، يكون الكاتب قد سرد لنا قصة بسيطة إنسان صارع الحياة وصارعته حتى ثبّت نفسه، ووجد له مكانا في ظل هذا الازدحام.

 النظرة الداخلية

ولعل النظرة السردية أيضا اقترنت بالتفكير النقدي، حيث راح يتحدث بصراحة اجتماعيا، خصوصا عن علاقات الأسر والأقرباء، بدون تجميل: "الغيرة هي الفاصل ما بين الطابقين، وهي المحرك للأحداث التي سوف تظهر فيما بعد خلال تنقل فرحان بين مجرّاته، لتنعكس عليه بأضواء مختلفة وترسم طريق حياته، فهو يعجنها وهي تعجنه".

وسرده عن معاناته وأسرته من الآخرين، ومعاناته من العنف في المدرسة أيضا، والغيرة بما تولده من عنف وكيد الآخرين، في سياق عنف اقتصادي غير مرئي، وما خلص منه وفيه من سلبيات وأمراض، يكون قد حوّل الطاقة السلبية إلى أخرى إيجابية، عبر توجه إنساني وأخلاقي قام على امتلاك الثقة بالنفس، وتجاوز تأثير الإخفاقات، ولم يكن ذلك أمرا سهلا، وهو وإن خلص إلا أن خلاصه لم يكن كاملا.

يستعرض محطات من تأثيرات الطاقة السلبية وكيف اشتبك معها:

"ألم فرحان وغضبه كانا يتراكمان في عقله الباطني، مقتحمين صندوقه الأسود وذهنه الطفولي. فلم يكن فرحان واعيا أو مدركا لهذا الشيء الخطير، كأنه ضائع في كوكب صغير ومعتم، إلا أنه حينئذ كان يعاني بصمت، ويشعر بحسرة وضعف وعجز وقهر".

ويعرض لمأساة الصور النمطية التي تعلّب الإنسان:

"مُشاكس وغبي وهبيلة"، هذه ألقابه التي أشتهر بها في مرحلة الدراسة الابتدائية. بشرته السّمراء، وشعره المجعّد وعيناه البنيّتان الواسعتان، وقامته الطّويلة، كلّها عناصر مشجّعة للضرب وإطلاق كل هذه الألقاب عليه". فهو يحيا هذا التناقض، فهم جهة يعاني التنميط السلبي، ومن جهة أخرى يكافحه:

 "العجيب أنه عندما يكون متواجدا في عالمه الخاص أو مع حمودة، يشعر حينها بأنه الملك العظيم صاحب المجرّات كلّها. وعندما يكون في منطقة أولاد عمه أو "مشاكسي" المدرسة، يشعر بضعف كبير وبالعجز، وكأن هذه المنطقة المحظورة مسحورة، تسرق وتمتصّ قواه الخارقة، وفرحه حال دخولها".

خلال السرد، وكلما كان يتعرض لمضايقة، فإنه كان يستعيد ما عانى منه:

"توقف فرحان لدقائق عن الحركة وكأن صخرة ثقيلة وعملاقة ضربت قلبه مباشرة. حينها  شغَّل درعه الواقي من السوداويين والظالمين، مُحوِّلا هذه التجربة السوداء إلى مفتاح سريٍّ آخر في مجرة كان في داخلها وحش أبيض، وكأن هذا الشاب المتعجرف كبس على زر في أعمق غرفة في عقل فرحان الباطني، وذكَّره بظلم كان يعاني منه منذ طفولته".

 وعبر السرد- التجربة نرى محاولات الفكاك من أسر الطاقة السلبية:

"على الرّغم من حجم السّواد ونقاط الضّعف التي تكدّست في غرفة فرحان الباطنيّة وفي عقله اللاواعي منذ أيّام طفولته، إلا أنّه امتلك القوة والجرأة، وفتح صندوقه الباطنيّ المظلم ليحارب مخاوفه، لأنه مكان مخفي، فهو آخر مكان ينشده أغلب الأشخاص.."

ورغم خلاصه النسبي، إلا أن تأثيرات النوازع السلبية تبقى، من منطلق الصراع الوجودي:

"ارتبك فرحان واصفرّ وجهه، وحدّث نفسه: هذه ليست مزحة يا فرحان، وهنا مجرّة ليست للهواة واللعب، فعلى الرّغم من أنّه كان درسا له، إلا أن رئيس التّحرير ارتكب خطأً وضغط على كبسة فرحان السّرّية، واستفزَّه وأحرجه، فهذه خطوة كافية لتخلق تحديا إيجابيّا كبيرا داخل صندوق فرحان".

الخلاص كان الهدف والطريق، وأدوات الخلاص كانت إرادة نفسه، وما استعان به من قراءاته الواعية، وإيمانه بالكلمة، المعبرة عن مشاعر صادقة، لذلك كانت حوارته الرمزية-المجازية في مجرة الفلاسفة مع: بودلير، وتمبل جراندين، والمعلم اوشو، وجلال الدين الرومي، وابن خلدون، وابن سينا وغوتة..حوارات مع نفسه، لتقويه في طريقه للخلاص.

دائرة

وقد عبر (فرحان) عن خلاصه وهو يعبر ال 26 عاما، وامتلاكه الطاقة الدافعة من خلال إثبات الحضور، حيث عاد لملاعب الصبا حين لم يكن ساعده قد اشتد بما يسيطر على الدراجة الهوائية التي هوت به من أعلى التل، ليعيد اللعبة مرة أخرى مع أخيه حمودة الذي خاض معه التجربة الأولى حين كان ابن 9 سنوات:

"انطلق فرحان، وكان يعرف أسرار هذا الشارع ويحفظها عن ظهر قلب، ويدرك نقاط قوّته ونقاط ضعفه، فقد نفض الغبار عن إمكانات عقله هذه المرّة. انطلق فرحان بقوّة وشجاعة مواجها مخاوف الطّفولة وهو في نشوة الحياة، محققا حلمه، اقترب أكثر من عنق الشّارع، ذاكرته تزعجه قليلا ومن ثم أكثر. أكمل، اقترب، تمسّك بالفرامل، تحكّم بالمِقوَد، اقترب واقترب، وصل.

 فرحان وصل منتصرا، توقّف عند السّور وضحك. حينها ضحك منتصرا، سائلا نفسه: هل كان هذا سرّ "البسكاليت" حينها؟ وهل حالة الخوف تلك كانت تسيطر على عقلي كلّ هذه السّنوات؟

هي علاقة رمزية تتجاوز الأطراف بما تستطيع من قيادة البسكليت، إلى أطراف فكرية تلزم لمعركة الحياة.

الشكل وأسلوب السرد:

اعتمد الكاتب الشاب في تعبيره عن الحياة الواقعية، بأدوات ولغة مثلها واقعية ورمزية، كون مرحلتا النمو في الطفولة وفي المراهقة يلائمهما اللغة المجازية، بما له علاقة باللاوعي.

لقد كان السرد على مستويين، الأول سرد واقعي عن حياته في محيطه، والثاني سرد رمزي كظل عميق، يتجاوز العادي إلى ما هو طقسي، معتبرا كل مرحلة كمجرة.

من السرد الواقعي-الواعي نقرأ:

"لفرحان أخوة ثلاثة يكبرونه سنّاً، فأبوه كان متزوجا من امرأة أولى. أنجب منها ذكورا ثلاثة: مروان وهو الأكبر، والثاني كان سمعان والأصغر لؤي، ليصبحوا عائلة واحدة تحت سقف واحد...كان منزلهم يتكون من طابقين. الأول كان يسكنه أبو محمد؛ الأخ الأكبر لأبي مروان. وفرحان وعائلته يسكنون الثاني. كان يقع بيتهم على قمة جبل، وخلفه أراض شاسعة ومليئة بأشجار الزيتون والتفاح والتين، بالإضافة إلى شجرة اللوز العملاقة".

ومن السرد الخيالي-اللاوعي في الشعور والفكر، نقرأ:

"أخذت المجرّة شكلا دائريا لكوكب مليء بأشجار الموز العملاقة، عملاقة جدا، وأوراقها مُلوّنة بالأزرق والأحمر والأصفر والأخضر والبرتقالي. لثمار الموز فيها عيون، وملمسها ناعم وطعمها لا يشبه شيئا، اعتاد فرحان أن يشربه في المجرّة الأولى. وكان فيها نهر من الّلبن الصّافي.

ومنه: لا ليل في مجرّة فرحان الثّانية، فقد كان يرقص مثل طائر ملك "ساكسونيا" مُتعربشا على أشجار الموز. يتوقف حينا ليأكل موزة عملاقة ويكمل، ومن ثم يتسلق واحدة أخرى كقرد "البابون" المراهق. كان يمشي عاريا، لا يحتاج إلى ثيابه، لأنه في أي لحظة قد يُقرّر الدخول في نهر اللبن الصافي ليسبح فيه ويشرب منه حتى يرتوي ويشبع"

كذلك: "نظر إلى داخل الحفرة عبر الماء الذي تخيّل وجوده ليرى وجهه بوضوح، وكأنّها مرآة تُظهر أدقّ تفاصيل خلايا بشرته. رأى أن عينيه قد اتسعتا واختفى أنفه وفمه وذقنه، فصار كل وجهه عبارة عن عيون صغيرة وكثيرة جدّا. صرخ وقفز إلى الوراء فتعثّر ووقع على ظهره وارتطم رأسه بالأرض. تجمّد جسده وأصبح ممددا بشكل كامل على الأرض، حينها توجه نظره بشكل عمودي إلى سماء مجرّة الحفرة، ليذهل بما رآه. أخذت سماء المجرّة ترسم لوحات ضوئيّة على شكل أقواس وتجعدّات جميلة على هيئة ألوان "أورورا"، وأحيانا أخرى على شكل إشعاعات برّاقة، أو أشكال غيميّة. ظلّت السّماء ترسم ألوانها العجيبة المريحة وتصدرها، وكأنها كانت تصدر عبر كل لوحة فنية كانت تُشكّلها ذبذبات تدخل عقل فرحان لتزيد من استرخاء ذكريات عقله وتُحرّرها.

وقد اخترنا ثلاثة أمثلة للتدليل على أحد عناصر قوة النص، في التناوب ما بين الواقعي والرمزي.

 لدينا جميعا أطفالا ونساء ورجالا، وشبابا وشابات.

*عن دار الرعاة، وقد وقع في 160 صفحة من القطع الصغير.