بالونات نتنياهو تطير في الهواء

796481255764250
حجم الخط

29 أيار 2015

يبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، وهو يدرك جيداً أن القاعدة البرلمانية لحكومته الرابعة ليست ثابتة ولا قوية لحد كاف، يجعله مطمئناً إلى انه سيكمل ولايته فيها على خير ما يرام، سارع إلى تعويض احد منافسيه في زعامة الليكود، رغم منحه وزارة الداخلية، ولكن لأنه يتطلع للخارجية التي سبق له وان شغلها خلال الفترة 2003 _ 2005 أبان تولي ارئيل شارون رئاسة الحكومة، وخلفا لنتنياهو نفسه الذي كان يتولى مسؤولية الوزارة التي يعد مسؤولها الرجل الثاني بعد رئيس الحكومة، وذلك تلقائياً، حسب العرف السياسي الإسرائيلي. 
تعويض نتنياهو لسيلفان شالوم تمثل بمنحه لقب نائب رئيس الحكومة، وهو لقب يمكن لأكثر من شخص أن يتمتع به، بما يعني انه شرفي ولا قيمة فعلية له، أو انه موقع لا تأثير له، بحكم انه لا يعتبر وزارة ذات نفوذ وميزانيات، المهم أن نتنياهو الذي ربما يرى في شالوم واحدا من "المتنمرين" في الليكود، الذين يتطلعون إلى خلافته، وينتظرون أول سقطة لحكومته ذات القاعدة البرلمانية الهشة، سارع إلى تحميل زميله الليكودي ملفين يمران بصعوبة بالغة، ربما ليغرقه فيهما، فان نجح سجل ذلك لليكود وسهل عمل الحكومة وان فشل يكون على الأقل قد تخلص من واحد من منافسيه على زعامة الحزب، والتي ستنفتح عليها أبواب جهنم في حال، سقطت الحكومة، أو نجح احد التصويتات على حجب الثقة في قادم الأيام.
يمكن القول بأن نتنياهو قد "ورط" شالوم بملف الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، هذا الملف الذي عرّضه نتنياهو بالذات لأفدح الضرر جراء عدم التوافق المتواصل مع السياسة الخارجية للبيت الأبيض، خاصة في ملفي إيران وفلسطين. كذلك بملف التفاوض مع الجانب الفلسطيني، بعد أن أغلق أبوابه نتنياهو، وبات بذلك على بعد خطوة واحدة من مواجهة متعددة الأشكال مع الفلسطينيين، وان كانت السلطة الفلسطينية ما زالت تحرص على تجنب المواجهة العنيفة. 
يكاد يجمع المراقبون الذين يعرفون سيلفان شالوم جيدا _ والرجل ليس نكرة على كل حال _ فهو ليكودي من أصول عربية، حيث ولد في تونس، وهو شاب نسبيا، ووزير منذ عقد ونصف تقريبا، أي فيه مواصفات الخليفة المحتمل لنتنياهو، الذي يمكن ترجيح تقاعده السياسي، بعد هذه الحكومة، الضعيفة والآيلة للسقوط في أية لحظة، وخاصة في حال سقوطها فعلا، نظرا لأنه بات بمقدور أي حزب من أحزاب الائتلاف إسقاطها على خلفية أية قضية خلافية، بل يمكن لواحد فقط من نواب هذه الأحزاب أن يهدم معبد نتنياهو في أية لحظة، وليس هناك من مخرج إلا أن ينجح نتنياهو في ضم المعسكر الصهيوني ضمن حكومة وحدة، حتى يمضي مطمئنا إلى انه قد نجح فعلا في انتخابات الكنيست العشرين!
المهم أن تعيين سيلفان شالوم مسؤولا لملف التفاوض مع الجانب الفلسطيني، وهو المعروف بأنه ضد حل الدولتين، يؤكد تعهد رئيس الحكومة الإسرائيلية في الانتخابات السابقة بان ذلك الحل لن يرى النور في ولايته، لكنه ليس أكثر من بالون اختبار أو بالون هواء للتضليل السياسي في مواجهة الضغوط الأوروبية وحتى الأميركية التي تطالبه بإطلاق العملية السياسية والتي تتهمه بأنه ضد الحل السياسي أصلا.
ما يؤكد هذا الأمر، انه سبق له وان أعلن عن استعداده للدخول في مفاوضات ما يسمى بالحل الإقليمي، أي الدخول مع الدول العربية في مفاوضات تتجاوز الفلسطينيين، وتسهّل عليه التوصل لحل يتم فيه تقاسم الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 67 مع مصر والأردن، اللتين كانتا تتوليان مسؤولية كل من الضفة الغربية والقدس وغزة حتى احتلال إسرائيل لهما عام 1967. وجعل من محاولة تشكيل جبهة لمواجهة ما يسميه بالإرهاب في المنطقة، بل ومحاولة استثمار ما تدعيه إسرائيل من عداء لإيران، بإقناع العرب السنة ومعهم تركيا بضم إسرائيل لحلف إقليمي يواجه إيران في حرب طائفية سنية / شيعية كانت إسرائيل احد أهم مشعليها بالخفاء. وقد سعت حكومة نتنياهو لإقناع العرب بهذا من خلال القول بأن الاهتمام الأميركي بالمنطقة يتراجع، وان الوجود الأميركي في الشرق الأوسط سيتم تقليصه، أي انه ليس للعرب في مواجهة " الغول " الإيراني سوى التحالف مع إسرائيل، على أن يكون "عربون" المقاتل الإسرائيلي المرتزق في الحرب مع إيران الحقوق الفلسطينية!
ثم كان آخر بالونات الهواء الطائرة، ما أعلنه رئيس الحكومة الإسرائيلية من استعداده للدخول مع الجانب الفلسطيني في مفاوضات يتم خلالها تحديد حدود المستوطنات، حتى لا يتهم بأنه يقوم بالبناء الاستيطاني من جانب واحد، وبذلك يشرع ما هو غير شرعي أصلا، ويغلق الأبواب أمام الأوروبيين الذين يضغطون عليه جدا من خلال حملة مقاطعة الاستيطان، والأهم انه يعرف بان مجرد الدخول في مثل هكذا تفاوض لن يعني التوصل لتفاهم، لكنه سيجنبه الضغوط التي تطالبه بإطلاق التفاوض وتحرره من الضغوط، في وقت يعيش فيه وضعا خانقا، يمكن لأي ضغط إضافي أن يسقط هذه الحكومة فعلا ويعجل من سقوطها، وهي حكومة قد ولدت ولادة قيصرية، تعتبر هشاشتها الداخلية، أهم أسباب ضعفها، وحيث لا يعقل أن يقدم احد من أعدائها وخصومها، لا الجانب الفلسطيني ولا اسحق هيرتسوغ على تقديم خشبة النجاة لها، ومن باب أولى القول بان نتنياهو الذي اعتاد الألاعيب السياسية ما زال يعتقد أن ألاعيب الحواة كافية للاستمرار في اللعبة إلى ما لانهاية!