أصبح انتصار المقدسيين بائن بينونة كبرى، وهو فلسطيني بشكل عام ومقدسي بشكل خاص، ولا فضل لعربي على فلسطيني أو مقدسي إلا بالصمود والمثابرة وتراكم الانتصارات الصغيرة لتصبح كبيرة، وتوضحت صورة الإنتصار بوحدة الفلسطينيين في الداخل وتوديع شهداء جبارين.
وعليه من المبكر الحكم على موقف القيادة الفلسطينية بانها قطعت مع إسرائيل وانها ستستمر في التصعيد الناعم الذي أعلنه الرئيس محمود عباس، وتحضيرات حركة فتح للاحتجاج يوم الجمعة القادم، على إثر الكلمة التي وجهها الرئيس عباس للمقدسيين، خاصة وانها لم تحدد موقف واضح يؤكد على انها ستتخذ إجراءات دراماتيكية. القيادة الفلسطينية إكتفت خلال الأيام الماضية بمتابعة ما يجري في القدس ووقف الاتصالات مع اسرائيل خاصة وان من يقود المواجهة هم المرجعيات الدينية، وغالبيتهم مرتبطة بالسلطة بطريقة أو بأخري.
موقف القيادة الفلسطينية وإن بدا أنه جريء، غير أنه في الحقيقة رد فعل على ما حققه المقدسيين، والأهم هو محاولة كسب ثقة الشارع الفلسطيني بعد انتصار المقدسيين، وتوصل الطرفين الأردني والإسرائيلي لاتفاق مبادئ برعاية أمريكية، وأن إرسال ترامب مستشاره جاريد كوشنير ومبعوثه جيسون غرينبلات إلى الأراضي المحتلة من أجل حل ازمة السفارة، وما نتج عن ذلك من إتفاق إعلان مبادئ بين الاردن واسرائيل، وكان واضح التجاهل الامريكي للقيادة الفلسطينية ومع بقاء كوشنير وغرينبلات في المنطقة، الا انهما لم يلتقيا القيادة الفلسطينية في وبدا أنه تجاهل واضح.
موقف الرئيس عباس ينطلق من خلال هذا التجاهل، وهي رسالة لجميع الأطراف المحلية والدولية والعربية. إضافة الى أن الدول العربية أجلت إجتماع الجامعة العربية الذي كان سيعقد من أجل قضية الأقصى، ولم يجري أي زعيم عربي اتصال مع الرئيس عباس خلال أحداث القدس، كما أن المقدسيين إستطاعوا تحقيق انجازهم ومستمرين في التظاهر ومقاطعة الصلاة في المسجد الاقصى إحتجاجا على الاجراءات الاسرائيلية ولا ضير من إستثمار ذلك.
بالرغم من رضا البعض من موقف الرئيس، الا انه موقف لا يزال قاصر وليس قائم على خطة وطنية وتوجه حقيقي في تغيير في الرؤى، في ظل الخلافات التي تم تسريبها على إثر اجتماع اللجة التنفيذية والإعتداء على ممثل الشعبية وكذلك المشادة الكلامية بين الرئيس عباس ممثل حركة فدا صالح رأفت حليف الرئيس وشريكه ليس في التنفيذية إنما في الموقف السياسي.
لذا فإن الشك قائم في موقف القيادة الفلسطينة ومدى قدرتها على الإستمرار في موقفها، فتوجهات الرئيس واضحة ولم تتغير في يوم وليلة، والتحدي الماثل امام القيادة الفلسطينية، اذا ما قررت المواجهة السلمية ورفض القرارات والاجراءات الاسرائيلية في القدس ومقاومتها، فالانقسام الفلسطيني مستمر، وحتى ان العلاقة متوترة مع شركاء الرئيس وحركة فتح التاريخيين في منظمة التحرير.
لذا من يريد ان يتخذ موقف لمواجهة اسرائيل عليه ان يوحد جبهته الداخلية ويقنع الفلسطينيين بصدق توجهاته وجديتها، وعدم المناورة والتكتيك القائم على رد الفعل والتجاهل. الفلسطينيون يطمحون ان يكون هذا الموقف قائم على حال من الإجماع والجدية وليس ساعة زعل كما يقول الفلسطينيين، خاصة أن نتنياهو المجروح برغم صورة النصر مع القاتل حارس السفارة، الا انه يعاني حسب وسائل الإعلام الإسرائيلية الضعف والتخبط والارتباك والشبهات حوله في قضايا الفساد في ظل الصراع على قيادة معسكر اليمين، وعليه ليس من المستبعد ان يفتح نتنياهو جبهة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية من خلال سياسات إتخاذ إجراءات تعسفية للانتقام والثأر وإعادة الإعتبار لزعامته، فهل سيستمر الرئيس في موقفه ومواجهة تصعيد نتنياهو بتصعيد شامل؟ أعتقد ان الامور ليست بهذه البساطة في ظل حال التردي والإنقسام والضعف الفلسطيني وعدم المراهنة على موقف القيادة، ومعركة القدس والمسجد الأقصى لم تنتهي والمعارك الكبرى قائمة، وتثبت أن الفلسطينيين بحاجة إلى فتح نقاش وطني وحوار جدي وانهم يستطيعوا الانتصار.