30 أيار 2015
تكمن المشكلة الأساس في المجتمع الاسرائيلي في حقيقة أن المرحلة الاولى من «حرب الاستقلال» لم تصل نهايتها الا في العام 1966، مع الغاء الحكم العسكري، وفوره، في حزيران 1967، بدأت مرحلتها الثانية. فقد انتقلت اسرائيل بشكل طبيعي من حظر التجول على الطيبة الى الحكم العسكري على نابلس. نظام الطوارئ، الذي عاشه المواطنون الاسرائيليون على مدى العقدين الاولين لقيام الدولة، منع اقرار دستور، وخلق عادات سلطوية مخجلة. في نظرة الى الوراء يمكن أن نسأل ان كانت في انتهاج هذا النظام نية، قد لا تكون واعية، لتحويل احساس الدونية الى طبيعة ثانية للخاضعين للاحتلال. ومن هنا كان الانتقال الى نظام احتلال «المناطق» كظاهرة دائمة طبيعية تماما.
في أعقاب التحول الليبرالي للصهيونية الذي بدأ به ليفي أشكول في 1963 حين كان يخيل ان ايام احتلال البلاد بلغت منتهاها، جاءت حرب «الايام الستة» وقضت على محاولات تلطيف حدة القومية الاحتلالية والانتقال بالتدريج الى واقع يسمح بتعايش النزعة القبلية والقيم الكونية للديمقراطية.
صحيح ان صهيونية حركة العمل لم تكن متطرفة اقل من الحركة الاصلاحية، وعبادة الحقوق التاريخية كانت طبيعية لها حتى بدون شعار ضفتي الاردن – ومع ذلك كان هناك احتمال في ان تعترف بأن كل اهداف الصهيونية تحققت في الحدود القائمة. ولكن حتى هذه الشرارة التطبيعية صفاها الانتصار الكبير في العام 1967.
وبالفعل، على مدى كل الطريق فإن سمو الاهداف القومية على كل هدف آخر لم يكن موضع شك. بعد 1967 كان تحت تصرف النخبة السياسية والاجتماعية لليسار عشر سنوات من الحكم كان بوسعه أن تتصدى فيها للاحتلال. ولكن كل ما فكرت في ان تقترحه كان مشاريع هاذية وضعها الثلاثي يغئال الون - موشيه دايان – شمعون بيريس، وكان اساسها الضم الواسع لـ»المناطق» في اطار اقتسام الضفة الغربية بين الاردن واسرائيل. اقترح دايان اقتراحا أكثر «اصالة»: ان يعيش الفلسطينيون تحت الحكم الاسرائيلي كمواطنين اردنيين ويصوتوا للبرلمان في عمان.
وعليه، فإنه اذا لم تجتز شريحة القيادة الحالية للوسط – اليسار ثورة ثقافية وفكرية عميقة، فلن تكون اهمية حقيقية لمسألة من يحكم هنا. في نظر معظم الجمهور نظام استعماري أفضل من التصدي للمستوطنات والطبقات الفقيرة التي تضحي بطواعية بمصلحتها الاقتصادية على مذبح سمو القومية اليهودية.
هذا هو الواقع، وحزب العمل يرفض التصدي له، خوفا من أن يفقد نصف مؤيديه. كل التصريحات عن الدولتين لا تساوي قشرة الثوم. اذا لم تكن ثمة ارادة سياسية حقيقية لاخلاء معظم المناطق المحتلة. وحتى لو كان حزب العمل فاز بستة مقاعد اخرى على حساب يائير لابيد، وحل محل «الليكود» في الحكم واقام ائتلافا مع موشيه كحلون والاصوليين – فإن الاسلوب سيكون مختلفا، والسيف ما كان سيسقط على رأس المحكمة العليا، ولكن في الموضوع الوجودي للاحتلال، ما كان لاي شيء حقيقي ان يتغير.
المشكلة مغروسة عميقا في المجتمع الاسرائيلي: بعد نحو نصف قرن من السيطرة في «المناطق»، فإن معظم الاسرائيليين يرون الحكم الاستعماري موضوعا مسلما به، وحرمان الفلسطينيين من الحقوق جزءاً من نظام الامور الطبيعي. الفصل في الباصات كان اختبارا رمزيا مشوقا، عكس الواقع: الاسرائيلي العادي سيثور ضد الابرتهايد فقط في اليوم الذي لا يكون بوسعه فيه ان يصدر لاوروبا ويستورد منها، وسيضطر الى انتظار ثلاثة اشهر حتى يحصل على تأشيرة لزيارة باريس.
عن «هآرتس»