لم تأتي منظمة التحرير الى الاراضي الفلسطينية فاتحة بل اتت بسياسة ما تسمى الواقعية متنازلة راضخة لاعتراف مميت بإسرائيل وقبل نضوج أي عملية سياسية قد تعطي الحد الادنى من السيادة الوطنية سواء اقتصادية او سياسية او ثقافية او امنية وبالتالي القرار السيادي منزوع ومنتزع من بين ايديها وقراراتها، هذه حقيقة وتبويب لنفهم مجريات الاحداث من قبل رحيل عرفات الى تسلم ابو مازن ومؤشرات الرحيل ومؤشرات استلام ابو مازن رئاسة السلطة ومنظمة التحرير .
اليوم او غدا لا بد ان يواجه الفلسطينيون واقعهم سواء بوجود ابو مازن او بحقيقة انه رحل ...وماذا بعد....... وان لم تتحقق الوحدة الوطنية بين شطري بقايا الوطن فيما تبقى من الضفة وغزة وتجديد الشرعيات فإنها لن تتحقق ونكون قد سرنا في مساق حل اقليمي بخارطة سياسية للمنطقة تكون الخارطة السياسية الوطنية الفلسطينية موزعة ومتأقلمة مع خيارات وخرائط سياسية للإقليم.
اسرائيل تدعي انها قلقة من تغيب محمود عباس ورحيله بشكل او باخر , ولكنها تسير بخطوات ثابته بان الخيارات ما بعد محمود عباس بالقطع تخدم ايديولوجيتها السياسية التي اصبحت مفضوحة وبالتأكيد ان المقدسيين حققوا انجازا وتراجعا عن بعض سياساتهم في الاقصى والقدس ولكنها ليست تلك الوحيدة التي دفعت اسرائيل للتراجع ولا الضغط الاقليمي ايضا او الدولي فإسرائيل منذ نشأتها لم تعترف بالقرارات الدولية او الضغوط الدولية في مساراتها لبناء الدولة اليهودية ، بل العامل الاكبر والمؤكد بانها تجيد لعبة الزمن وارتباطه في تحقيق الاستراتيجيات التي تسعى لتحقيقها سواء في القدس او الغور او الشريط الحدودي مع الاردن .
في مساق التخمينات والاستقراءات لما ستؤول اليه الامور في الضفة بعد رحيل محمود عباس ، تقوم تلك الاستقراءات على بدائل وخيارات كرئيس المجلس التشريعي او نائبه لفترة انتقالية لمدة شهرين ، او نائب رئيس فتح ، او كما طرح القائد الوطني محمد دحلان قيادة جماعية ، رئيس للسلطة ورئيس لفتح ورئيس للمنظمة ، كل تلك الاستقراءات ، تبنى على حالة استقرار للنظام السياسي الفلسطيني وان اهملت تلك القرارات الانقسام والصراعات في فتح ووجهة نظر الدول الاقليمية كالأردن وهي مقررة ومصر وهي مقررة واسرائيل وهي مقررة ايضا كدولة احتلال فالأردن لها استراتيجيتها ومصر لها استراتيجيتها واسرائيل ايضا .
ومن هنا في مرحلة ما بعد عباس لا اعتقد ان يكون الخيار الديموقراطي والانتخابي هو الابرز والذي يمكن ان يحدث ، ولا اعتقد ايضا ان الاستراتجيات الثلات ستكون متفقة لدول الاقليم على ماهية النظام السياسي الفلسطيني ومقدار سيادته الا اذا كان في ا لمنظور حل اقليمي شامل يرسم الخريطة السياسية بين الاردن ومصر واسرائيل تبنى على الخريطة السياسية للكيانية او كيانيتين الفلسطينيتين وهي الاقرب الان .
المشاريع الاستراتيجية على خط نهر الاردن والبحرالميت بين اسرائيل والاردن تنفي وجود كيان وطني ذو سيادة في الضفة الغربية بالإضافة للعوامل الثقافية والولاء للشعب الفلسطيني التي تميل لعمقها في عمان وترتبط امنيا مع الاردن والعوامل الاقتصادية والتجارية التي ترتبط مع اسرائيل بشكل كبير وتتدخل في نطاق التعاون التجاري والاقتصادي ايضا مع الاردن .
البعض يتحدث عن صراعات في الضفة الغربية بين فتح مع بعضها على خلافة الرئيس او بين فتح وحماس وهذا لن يحدث ولان فتح في الضفة اردنية الهوى وتستطيع الاردن ان تلجم أي خلافات بين قادتها ، وبرحيل الرئيس او عدم رحيله اسست الاجهزة الامنية في الضفة ضمن استراتيجية الاقاليم وامنها, ولذلك بعد رحيل ابو مازن ستبقى الضفة تحت سيطرة الاجهزة الامنية ولن تحدث أي مشاغبات اوصراعات او عشائريات او قبليات فدور الاردن حاسم في استقرارها بالإضافة لقوة الاحتلال .
غزة ايضا تقع تحت العمق الامني والقومي المصري والغزيين مصريى الهوى ايضا ولعبت مصر في الشهور الماضية دورا كبيرا في سياساتها وتوجهاتها على مؤسسات المجتمع المدني والوجهاء والكتاب والاكاديميين , ومثلما توجهت وفود عشائرية لعمان توجهت وفود مختلفة ايضا الى مصر ، وبعد التفاهمات التي حدثت بين تيار واسع في غزة بقيادة النائب محمد دحلان مع حماس وتقارب مصري حمساوي وتعامل مصر مع مكونات القطاع كتركيبة واحدة وطنية واحداث تحديث لمعبر رفح ومحطة طاقة في رفح ومنطقة تجارية ، فالوضع مختلف نسبيا عنه في الضفة ليفتح الباب بسيادة نسبية لغزة ضمن حركة وطنية جامعة وطنييها بإسلامييها قد تفتح المجال لنوع من الكونفدرالية مستقبليا مع مصر .
ومن هنا قد تحدث انتخابات في وقت لاحق في غزة لإرساء مؤسسات مهنية تطويرية للقطاع.
لا ارى ان النظام السياسي سيتوحد ما بعد ابو مازن ايضا وان كانت الرؤى الوطنية تتحدث عن دعم الضفة بكل وسائل المقاومة لدحر الاحتلال واعادة شطري ما تبقى من ارض الوطن للوحدة, ولكن قد تكون الخيارات الاقليمية معقدة وصعبة وقوية امام أي طموحات وطنية على الاقل في عشرين سنة القادمة او اقل نسبيا .
كل تلك المركبات واستنساخاتها اتت ما بعد الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته منظمة التحرير بالخروج من الجنوب اللبناني ودخولها في اوسلو ومركباتها وفقدت أي قرار سيادي لوجودها ولقرارها وكقاعدة ارتكازية تصنع قرار بدون مؤثرات او املاءات وادت لإسقاطات وطنية وسقوط لا يحمد عقباه بل اصبح المشروع الوطني الان امام المتغيرات الاقليمية والدولية في حالة انهيار .