منصب الرئيس يهدد بالفوضى

imgid282507.jpg
حجم الخط

 

أثار دخول الرئيس الفلسطينى محمود عباس إلى المستشفى بصورة مفاجئة قلق الفلسطينيين، وعاد الحديث حول خلافته من جديد يطرق أبواب المشهد السياسى الفلسطينى، غير أن هذه المرة يبدو أن القلق والاهتمام لدى أطراف محلية ودولية وإقليمية كبير، ذلك لأن النظام السياسى الفلسطينى وتفككه ناجمان عن الانقسام الوطنى وتوقف العمل فى المجلس التشريعى والانتخابات منذ أكثر من عشر سنوات، فهناك تحديات كثيرة وكبيرة فى انتظار الفلسطينيين إذا ما اختفى الرئيس أبومازن عن المشهد السياسى أياً كان السبب، بعكس الفترة التى تقلد فيها الرئيس عباس رئاسة السلطة عقب رحيل الرئيس الراحل ياسر عرفات، كانت الأمور أكثر استقراراً وهدوءاً، بينما تعانى السلطة الفلسطينية الآن صراعاً محتدماً نتيجة الانقسام ربما يفضى إلى الفوضى فى حال فقدان السيطرة على زمام الأمور، خاصة أن الصراع على أشده بين كافة الأطراف الفلسطينية من ناحية خلافات حركة فتح الداخلية والخلاف على من يخلف الرئيس عباس وانقسامها بين تيارين متنافرين؛ تيار الرئيس عباس والتيار الإصلاحى برئاسة دحلان، فضلاً عن الصراع المحتدم بين فتح وحماس، وصعوبة اتفاق فتح على مرشح واحد فى الوقت الذى سترفض فيه حماس التى تدير قطاع غزة أن تتولى منظمة التحرير الفلسطينية رئاسة السلطة وستتمسك بتولى رئيس المجلس التشريعى الذى ينتمى إليها منصب الرئيس وفق القانون الأساسى، وما يزيد الأمر تعقيداً التحالف الذى تم مؤخراً بين محمد دحلان قائد التيار الإصلاحى فى حركة فتح وحركة حماس، ما أعطى له الشرعية بالعودة إلى قطاع غزة من بوابة حماس التى كانت يوماً سبباً رئيسياً برحيله عنها!.

إن ترهل النظام السياسى وافتقاده القوة مثلما كان عليه فى عهد الزعيم ياسر عرفات، والاحتمالات القوية لتدخل أطراف عدة فى تحديد الاختيار منها عربية تدعم مرشحين مقربين منها ومنها إسرائيل، يجعل من الاتفاق على الرئيس المقبل أمراً شديد الصعوبة ربما يصل إلى حد الاقتتال على المنصب، فى ظل هذا المشهد الملتبس وبسبب ضعف قدرات دول عربية محورية مؤثرة فى القضية الفلسطينية واستنزافها بمشاكلها الداخلية فقد توارت القضية عن بؤرة الاهتمام ما ينذر أن تشهد المنطقة المزيد من التفكك وقبول إسرائيل كعضو فى المنطقة وصولاً إلى إنهاء القضية الفلسطينية وذلك بفرض حلول الأمر الواقع مثل كيان اقتصادى أمنى فى الضفة الغربية وارتباط إقليمى بالأردن كما كان مخططاً له فى السابق، وخلق كيان سياسى مستقل فى قطاع غزة وهو ما يتبلور عملياً فى الوقت الراهن ويظهر جلياً فى التحركات السياسية بين الأطراف الفلسطينية.

إن انطلاق حركة حماس للبحث عن علاقات دبلوماسية هادئة مع مصر وحرصها على إرسال وفود من حين لآخر إلى القاهرة لإجراء مشاورات مع المسئولين المصريين، يأتى فى هذا السياق، فهى تدرك أن أى تصعيد ليس فى مصلحتها خاصة بعد أزمة قطر مع الدول العربية، لذا تحاول حماس أن تبقى يدها ممدودة للجميع وألا تخسر أحداً، متبعة دبلوماسية بعيدة عن الانحياز لطرف دون الآخر يضمن لها علاقات واسعة بما فيها فتح قنوات اتصال لعلاقات استراتيجية مع محمد دحلان فضلاً عن النأى بنفسها عن أى عوامل تؤدى إلى التصعيد مع إسرائيل، وإبداء مرونة تجاه عملية المصالحة مع فتح لم تكن موجودة فى السابق؟!

إن العقبة الأساسية أمام حماس لتضمن استقرارها وسيطرتها تكمن فى خلق التوازن فى علاقتها مع الدول العربية كمرحلة مفصلية فى تاريخها، خاصة إذا كانت تريد توسيع علاقاتها بهذه الدول. فمثلاً تقف علاقتها بكل من مصر وقطر على حافتى نقيض، من جهة تؤكد أنها لا تزال تتمتع بعلاقة طيبة مع قطر وأن قياداتها لا تزال موجودة ومعروفة وتمارس مهامها بشكل عادى لأن قطر داعم أساسى لوجودها، كما تريد توسيع علاقتها بالدول العربية من خلال السعى لفتح مكاتب لها فى الدول التى تقبل ذلك، معتبرة أن هذا لا يتعارض أبداً مع وجود قيادات لحركة حماس فى قطر وبذلك تمسك العصا من المنتصف!. فى الوقت ذاته فإن موقفها خلال المفاوضات مع مصر للحصول على علاقة طبيعية لم يكن سهلاً وتعلم أن عليها دفع أثمان سياسية فى المقابل، لأن مصر لا تريد من حماس نفى الاتهامات الموجهة إليها وإبداء حسن النوايا بفتح صفحة جديدة لطى خلافات الماضى، وإنما تريد فك ارتباطها التنظيمى بجماعة الإخوان المسلمين على غرار الإخوان المسلمين فى الأردن، فتصحيح العلاقة مع مصر يتطلب تنازلات سياسية من حماس أهمها ضبط الحدود التى تشكل نقطة ضعف مع استمرار العمليات الإرهابية فى سيناء، واستمرار بقائها فى المنظومة العربية وفى إطار مرجعية السلطة الفلسطينية فضلاً عن أن التقارب مع حماس يهدف لقطع الطريق أمام أى نفوذ تركى قطرى فى غزة على اعتبار أن الدور المركزى لمصر فى القضية الفلسطينية، وما نراه الآن يقتصر على انفراجة جزئية فى علاقة مصر بالحركة تسعى فيها حماس جاهدة لكسب الموقف المصرى وتحييده من معادلة الصراع القائم بينها وبين سلطة رام الله، ويبدو أن طموح حماس يتجاوز حدود المكان فهى تبحث عن دور أكبر كثيراً من المتوقع.

عن الوطن المصرية