«حماس» متعددة المواقف والعلاقات

رجب أبو سرية.jpg
حجم الخط

مع مرور الوقت - ربما - يتضح أكثر فأكثر، أن منصب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي فاز به الشيخ إسماعيل هنية قبل بضعة أشهر، إنما هو أقل أهمية مما كانت عليه الحال من قبل، أو أنه قدّم للرجل كمكافأة آخر المدة، أو أنه جاء في وقت تحولت فيه حركة حماس من تنظيم موحد داخليا إلى ما يمكن وصفه بأنه تنظيم «فدرالي» إن صحت التسمية، أو أن العلاقات الداخلية للحركة باتت تشبه النظام البرلماني المعمول به في معظم دول العالم، ولم تعد تشبه النظام الرئاسي الذي تعمل به الولايات المتحدة وكل الدول العربية ومعظم الدول الإسلامية، أي أن رئيس حركة حماس بات منصبا شرفيا، كمنصب رئيس الدولة في دولة برلمانية!
سبق لنا أن أشرنا في مقال سابق، إلى أنه وإزاء الضائقة التي وجدت نفسها فيها حماس بعد خسارة رهانها على وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في المنطقة، ضمن سياق دمقرطة الشرق الأوسط، أو كنتيجة للربيع العربي، والتي على ضوئها خسرت تحالفها مع محور إيران/سورية/حزب الله، وبعد أن أجبرت قطر على لفظ قيادة الحركة من الدوحة، حيث كان المكان الأنسب لإقامة القيادة العليا لحماس في لبنان، حيث أقام فعلا كل من رئيسي المكتب السياسي السابقين: خالد مشعل وموسى أبو مرزوق، اللذين مع أسامة حمدان يشكلان أقوى وأهم قيادات حماس المركزية وأكثرها خبرة على الإطلاق، قلنا إن أنسب تكتيك تتبعه حماس هو أن تعتمد سياسة إخوانية الأصل والمنشأ تقوم على أساس منح كل «تنظيم» الحرية بأن يحدد سياسته وفق ما يناسب ظروفه الخاصة، لذا فعلينا أن نتوقع، كما كانت تفعل حماس نفسها من قبل بالفصل بين قيادتها السياسية وقيادتها العسكرية، أن تعتمد حماس/الخارج سياسة ومن ثم علاقات خارجية مختلفة عما ستعتمده حماس/غزة، وحماس/الضفة.
لم يطل بنا الوقت، حتى بدأ هذا الأمر يتضح شيئا فشيئا، فها هي حماس/غزة، تقترب من مصر وتعقد «تفاهمات» مع التيار الدحلاني، بالرعاية الأمنية المصرية، نقول حماس/غزة، لأن هذه التفاهمات جاءت بعنوان يحيى السنوار وليس إسماعيل هنية، وفي الوقت الذي يقوم فيه وفد حماس/الخارج برئاسة صالح العاروري بلقاء المستشار السياسي لرئيس مجلس الشورى الإيراني في بيروت، كان وفد حماس/الضفة برئاسة ناصر الدين الشاعر يلتقي الرئيس محمود عباس في رام الله، فيما كان أول بند من بنود تفاهمات حماس/غزة مع دحلان قد بدئ بتنفيذه !
المهم أنه رغم أن واشنطن تعد حماس ضمن قائمة الإرهاب، والى حد ما إسرائيل تقول بذلك، لكنها لا تتعامل مع كل قيادات وكوادر وأعضاء حماس على أنهم كذلك، وإلا لاتبعت سياسة الاغتيالات معهم، كما فعلت قبل سنوات حين كانت تقدم على اغتيال قيادات حماس السياسية (إسماعيل أبو شنب، أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي) وهي الآن بالكاد تستهدف بعض القيادات العسكرية ودون الأسلوب الصريح والمباشر، كما فعلت مع مازن فقهاء، كذلك لا تقوى إسرائيل على الإفصاح بوجود مصلحة لها في حكم حماس لغزة، كما أن الأوروبيين مرتبكون أو محتارون في اعتبار حماس حركة إرهابية أو لا، أي أن حماس متجاوزة واقع أو مصير إخوان مصر وحتى إخوان الأردن، لكنها وبسبب من أن درتها الثمينة هي غزة، فإن عنقها بات بيد مصر، التي تجبرها على تقديم الثمن على الصعيد الأمني في سيناء وتفرض عليها أن تدخل إليها عبر بوابة محمد دحلان وليس كما ترغب هي في الدخول المباشر.
يبدو أن جميع الفرقاء أو اللاعبين الفلسطينيين وفي حلقة أوسع اللاعبين العرب، يلعبون في ملعب ضيق للغاية، الهوامش فيه محدودة جدا، فحماس تسعى إلى الخروج من المأزق بأقل الخسائر، وفي علاقتها مع فتح والسلطة من جهة ومحمد دحلان من جهة ثانية، «تلعب على الحبلين» لتحسين شروطها تجاه الطرفين، لا أكثر ولا أقل.
فجماعة دحلان، قدموا لحماس ورقة النجاة، مقابل منحهم موقع فتح بغزة، وربما إدارتهم لها خارجيا، مع إبقاء سيطرة حماس الأمنية أو حكمها الفعلي الداخلي في قطاع غزة، وما زالت حماس تتلكأ في الذهاب بعيدا في تفاهماتها مع الرجل، دون حماس واضح، وهي لا تغلق الباب أمام الرئيس عباس، لكن تفاهماتها مع دحلان وفرت لها القدرة على المناورة، فردت على مبادرته التي أعقبت «عزل قطر» ولفظها لحماس، والتي تلخصت بإعلان حل اللجنة الإدارية وتمكين الحكومة من غزة ومن ثم الذهاب لانتخابات تشريعية رئاسية، ما يعني رفع حماس للراية البيضاء لعباس، ردت المبادرة بالاتجاه العكسي، فطالبت الرئيس عباس بالتراجع عن إجراءاته ضد غزة (خصم الرواتب وإحالة موظفيه للتقاعد المبكر، ورفع يده عن كهرباء غزة)، واستيعاب موظفي حماس في الحكومة، ومن ثم تمكينها من غزة.
مشكلة الجميع برأينا تتمثل في أمرين: أولهما، أنهم ما زالوا محكومين بالرؤية السياسية القديمة التي كانوا عليها قبل عشر سنوات وأكثر، في حين أن المطلوب هو أن ينسوا الملف القديم وأن يتعاملوا مع حقيقة وجود «كيانين فلسطينيين» لا بد من توحيدهما وليس إنهاء الانقسام بينهما، فواقع الانقسام مرت عليه عشر سنوات جعلت واقع الحال هو الانقسام والتغيير هو وحدة المنقسم، حيث إن أفضل شكل برأينا هو الشكل الكونفدرالي، أي وجود مستويين من الحكم، أولهما داخلي محلي أو ذاتي، رضينا به «الحكم الذاتي» مع الاحتلال ولا نقبله فيما بيننا، والثاني الاتحادي الخارجي.
الأمر الثاني الذي يمثل مشكلة للجميع هو أن الجميع لا يدركون بعد أنهم بمثابة لاعبين صغار حتى فيما يخص الوضع الفلسطيني، وأن ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني فضلا عن انتزاع دولة فلسطين المستقلة، لابد له من أن يأخذ بعين الاعتبار مصالح الأطراف الإقليمية والدولية، فنحن نتصارع فيما بيننا، في حين أن أجهزة التحكم عن بعد ليست بيدنا، ولا أحد بريء من وجود من يتحكم به أو يؤثر في قراره من الخارج، والمشكلة الأخطر هي أن كل النخبة السياسية بهذه الحال عاجزة عن التوصل للحل الداخلي، ما لم ينتفض الشعب الفلسطيني على ذاته كما ينتفض على إسرائيل ويفرض الوحدة الجغرافية والديموغرافية ومن ثم يفرض نظاما سياسيا يجمع المختلفين ويسقط نزعات التفرد والاستبداد المنتشرة في كل مكان وزاوية من زوايا أرواحنا ونفوسنا وفي كل تفاصيلنا الاجتماعية.