مرةً أخرى نعود للدوران في حلقة مفرغة، نستعجل الدوران في زمن ما حتى نشعر بفقدان التوازن والدوار فنعلن فترة استراحة.. ننسى فيها الانقسام وكأن كل شيء على ما يرام، بعد أن أصبحت لدينا على ما يبدو قدرة كامنة على التعايش مع هذا الانقسام. خلال الأيام الماضية تفاعلت قضية المصالحة، ولعلّ معركة الأقصى كانت السبب الرئيس في العودة إلى هذه الحلقة المفرغة، فالكل يعتقد أن قضية الأقصى أحدثت تغييراً ما، وأن الجماهير الفلسطينية ما زالت متقدمة كثيراً على الأحزاب والحركات والقوى السياسية، ولهذا فإن الوحدة مطلب أساسي، وارتفاع وتيرة العدوان الإسرائيلي تدعو إلى تجاوز الخلافات. ولكن ما هو الجديد في إثارة قضية الانقسام والمصالحة في هذه الأيام؟! الجديد هو قضيتا اللجنة الإدارية والوظائف، ليس بالمفهوم القديم ولكن مع كل ما استجدّ حتى تاريخه. تشكيل حركة حماس اللجنة الإدارية قبل عدة أشهر جاء للانقضاض على حكومة الوفاق الوطني، والتي هي أصلاً غير قادرة على الفعل في قطاع غزة، لأن مفهوم حماس للحكومة هو تقديم الخدمات. أما السلطة والسيطرة الحقيقية على الأرض فهما للحركة، ولا يمكن التنازل عنهما، خاصة في البعد الأمني وما يترتب عليه. حماس ما زالت تدَّعي أن حكومة الوفاق لم تقدم المطلوب منها، وأساس المطلوب هو «المال»، أي تحمُّل الأعباء المالية التي أصبحت تمثل ثقلاً كبيراً على كاهل الحركة في ظل التغيرات والأحداث الجسام في المنطقة. من جهتها تحاول السلطة قدر الإمكان أن يكون لها موطئ قدم حقيقي في قطاع غزة، وأن يكون لها دور في إدارة القطاع باعتباره جزءاً من مكوّنات السلطة الوطنية. وملّت من أن يقتصر دورها على أن تكون صرّافاً آلياً فقط. وبناءً على ذلك جاءت خطوات التصعيد سواء في خفض الرواتب أو دعم الكهرباء، وتحميل حماس المسؤولية المالية، أيضاً. حركة حماس تحاول جرّ الأمور إلى دائرة مغلقة أخرى وهي قضية الموظفين، وتسكينهم وتثبيتهم، ما يعني تحميل القطاع العام عشرات الآلاف من الموظفين الذين هم في غالبيتهم حزبيون... وعلى قاعدة في الضفة لكم وفي غزة لنا.. وهذا هو مفهوم التقاسم. ربما الانقسام أصبح واضحاً، والشعب الفلسطيني تحمّل جمراته تحت مفهوم «لعلّ وعسى» أن تصبح فكرة الوطن وتحريره أكبر من فكرة المصالح الحزبية والشخصية والمنفعة المالية و... . أحداث الأقصى أثبتت أن الشعب الفلسطيني فوق الانقسام أو التقاسم، وأنه في لحظة الحقيقة الصعبة قادر على أن يقول كلمته، وقادر على مواجهة المحتل والمعتدي. الأحداث الأخيرة أثبتت مدى ضعف أقطاب الانقسام... وأن التراشق الإعلامي والاصطفاف لم يعد لهما قيمة بالنسبة للمواطن الذي يرى أن كل شيء حوله يتغير بسرعة. والحقيقة المُرَّة أن الاحتلال ما زال جاثماً على الأرض الفلسطينية، ويتحكّم بأمور كثيرة سياسية واقتصادية، واتفاقات مكتوبة وأخرى شفوية ربما هي الأخطر بعد 3 حروب مدمرة في غزة. إنهاء الانقسام لا يمكن أن يتم إلاّ بإزاحة فكرة التقاسم والمصلحة.. فكرة أنا ومجموعتي فوق الوطن والمواطن.. فكرة فلسطين لنا وليست كلنا لفلسطين.
ختام المناقشات حول نظرية "المغامرة"
19 سبتمبر 2024