لم يكن لحليمة إلاّ أن تعود إلى عادتها القديمة، فجديد القدس لا يكفي لإقناع حليمة بتغيير عاداتها، التي درجت عليها وتعوَّدت خلال أكثر من عشر سنوات.
وفي الأصل فإن عادات حليمة تعود إلى ما قبل السنوات العشر. خلال الأيام الماضية، امتلأت الساحة بالمبادرات الإصلاحية لكن أيّاً منها لا يشير إلى إمكانية تحقيق الهدف.
المبادرات كلها عبارة عن تدوير زوايا، وتسبيق أولويات على أخرى، أو التطلع إلى توازن في الأولويات لا يرضي معادلات الطرفين.
الطرفان كل يطلب من الآخر، الانتقال إلى مربعه، وكل يطلب من الآخر تقديم التنازلات لصالحه، وكأنّ هناك منتصرا ومهزوما.
من العبث المراهنة على معادلة «إما أن تشيل أو أشيل» فهي الأخرى في جوهرها تقوم على اعتراف طرف بهزيمته أمام الطرف الآخر.
معادلة «إما أن تشيل أو أشيل» في الواقع تنطوي على تهديد وجودي بمعيار الحق في السيطرة، وهي، أيضاً، وواقعياً تصبُّ في اتجاه تعميق الانقسام والفصل.
الكل يدَّعِي حرصه على المصالحة والوحدة الوطنية وتغليب الصالح العام ومقاومة المخططات الإسرائيلية التي تعمل ليل نهار على فصل قطاع غزة، وإبعاده نهائياً عن الضفة الغربية، لكن السلوك العملي من قبل الفلسطينيين يصبُّ في خدمة الأهداف الإسرائيلية.
هذا ليس اتهاماً لأحد ولكنه تنبيه ناجم عن قراءة موضوعية لمخرجات السلوك الفلسطيني، فبدلاً من أن يتفاءل الناس، بكثرة المبادرات، وجميل الكلمات، وأجواء الانتصار المقدسي، اندلعت موجة جديدة من الاتهامات والشتائم والتهديدات التي لا تليق بخطاب سياسي تحرُّري.
على الجميع أن ينتبهوا لما يصدر عنهم، حتى لا يؤدي توترهم إلى تعميق الكراهية والحقد، في صفوف الشعب، وبين الفصائل.
العارفون بمآلات المواقف والأحداث، كانوا حذرين إزاء التعبير عن التفاؤل بشأن إمكانية تحقيق المصالحة، أو استجابة أي طرف لمبادرة الطرف الآخر، أو أية مبادرة أخرى، وربما يفضلون عدم وجود مبادرات على طرح مبادرات تؤدي إلى تعميق الأزمة.
مضت بضعة أشهر على الإجراءات التي اتخذها الرئيس محمود عباس، للضغط على حركة حماس وإرغامها على التسليم بشروطه، لكن ذلك لم يحصل، ومن غير المرجَّح أن تنجح إجراءاته القادمة على قسوتها وخطورتها في أن تحقق ما يريده الرئيس من حماس.
حركة حماس عثرت على خيارها، عَبر التفاهمات المزدوجة مع دحلان ومصر، وهي في وضع مرتاح، إذ تنتظر أن تؤدي هذه التفاهمات إلى تحقيق انفراجة في أوضاع قطاع غزة.
ثمة مكاسب سياسية تنتظرها حماس، إذ لم يرد اسمها في قائمة المؤسسات والجماعات الإرهابية التي قدمتها مؤخراً الدول الأربع: مصر والسعودية والإمارات والبحرين، فضلاً عن أن صحيفة «الرياض» السعودية اضطرت لسحب المقال الذي يتهم الحركة بالإرهاب.
من الواضح أن حماس تحت الاختبار بالنسبة للدول الأربع، وهي لذلك تبدي التزاماً أكيداً بالتفاهمات، واستعداداً أكبر للذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك.
هذا الشعور بالارتياح من قبل حماس جعل مبادرتها السباعية، تبدأ بمطالبة السلطة بارسال حكومة الوفاق لكي تتسلم مهامها في القطاع، وبداية من معالجة ملف الموظفين، وحينها ستكون اللجنة الإدارية في خبر كان.
بالقياس لما يتمسك به الرئيس عباس من شروط أو مطالبات، يصبح ما قاله الناطق باسم فتح أسامة القواسمي صحيحاً من أن مبادرة حماس تحمل شروطاً تعجيزية. سيمضي كل طرف في طريقه، دون الالتفات إلى الآثار الخطيرة، التي يتسبب بها هذا الانقسام بالنسبة للشعب والقضية، تعرف الأطراف، أين وكيف ومتى يمكن معالجة هذا الانقسام، لكنها بالمُحَصِّلة، لا تستطيع أو أنها لا تريد، أن تنهي هذا الانقسام كل لأسباب في نفس يعقوب.
ثمة من عليه أن يقدم للرئيس تقريراً موضوعياً عن الآثار التي تركتها وتتركها الإجراءات العقابية في غزة.
لن تتأثر حماس لا بِشُحِّ كمية الكهرباء التي تصل إلى القطاع، ولا بتقاعد الأطباء أو المعلمين، وربما في حال فتح المعبر، فإنها ستكون قادرة على توفير بدائل لبعض المواد التي توقفت السلطة أو ستتوقف عن تزويد القطاع بها.
الشعب هو الذي يتأثر بكل هذه الإجراءات، وخصوصاً الطبقة «الوسطى»، وقطاع الموظفين، الذين يُحالون إلى التقاعد بالجملة، وسيؤدي ذلك إلى إضعاف حركة فتح، وتقليص نفوذها وحجمها ودورها.
وثمة من عليه أن يحذر من أن هذه الأوضاع المزرية التي تتدهور باستمرار، من شأنها أن توفر دوافع قوية لظهور هجرة واسعة حالما يتم فتح المعبر بصورة اعتيادية أو شبه اعتيادية.