محمود حسونة " أغنيات صيفية "

محمود حسونة " أغنيات صيفية "
حجم الخط

 1_ شرارة الماء...

غسلت جدائلها المتعبة بالسلسبيل والزمزم، ومشت الهوينى في خشوع المعابد ، خطوط الإثمد السود تخفي الدمع المدفون في صحن العسل المالح، لقد عرفتهما، إنهما عيناك الممتلئتان بحكايا الوجع، فلماذا البكاء؟؟ !!!

ضحكت فأبرق ثغرها بلؤلؤ الرمان ، ثم انفرطت الكلمات على لسانها كعبق العبير فتعطر الهواء وتلون، فصار كالشال الذي على عنقها، قالوا لنا ألاّ نبكي !!! لكننا عندما نخلد للنوم نبكي وحدنا ، نبكي .. وتبكي .. ونبكي ، ننام على دمعة لاتجف!!!

حواء تنادي : أنا المظلومة الصادقة العالية والبريئة من الكراهية، أحمل قلبي الوديع المرنّق بالكرز وأستقبل الأمل؛ ليضيء عتمة الظلم الفادح الذي أحاط بي، أدرج على سلم الأيام صعوداً؛ لأكون أكبر من أمرأة عادية في حكايات تتبادلها السنون، أنهض وأمضي في الرجوع إلى الرحم الأصل حنينا إلى الصورة الأولى، أنا الرؤومَ التي تبسط ظلال الرأفة ، وتفيض بالصلاة ،ويشرق من عيونها السلام .

أقاتل لأكون الطاهرة العالية ، أنا أغنية من أغاني القمرالبعيد، أغنية مفعمة بالأحلام والفرح، و شاهدة على الربيع القادم بالضوء والعسل،أنا سنبلة من أغاني المستحيل، أنا شرارة الماء في صحراء الحياة، هذا كتابي ستحمله الفراشات عبر الحقول والمجرات .

2_ غزالة نزقة…

جلست كأميرات الأساطير على ضفة النهر ، وهي تشع بالشغف و الأحلام ، كسنبلة من أغاني الربيع ،تداعب الماء بقدميها ،وتسرح ضفائرها الغجرية مع النسيم كنغمة ناي ناعس ، وعصافير وفراشات ملونة وأنغام تحوم حولها،جذبتني من قلبي الكبير ، وتناثرت حنينا إليها و هي تناديني بنظرات عينيها الهائلتين الحارقتين المسرفتين في الجنون،اقتربت منها فحلقت كعصفورة بعيدا ، ثم عادت وحطت على كتفي .

فرشت لها البحر سريرا، حملت القمر وطرحته بين يديها ، فأسقطته من بين أصابعها، وفرت كغزالة نزقة ،وقالت : أنا الأميرة التي لا يتسع لها عرش ولا تاج، أنا الأميرة المتهادية فوق الغمام، أنا الأميرة التي لا تنحني.

لا تنزعوا النصل من قلبي ، دعوها تبث عسلها المر في دمي .

ها أنذا عطشان والنهر يجري أمامي، يجتاحني البرد ،والنار في قلبي!!!! لقد نسيت أن أتعلم عشق الأميرات !!!

3_ في عينيك كلّ شيء !!!

أنظر في عينيك فأرى ما لا يرى، غابة ماء!!! سحاب، ليل، صمت، حرير، وبحر لا حد له ، يحملني بعيدا إلى بلاد لم تكتشف بعد، حيث كل شيء طازج وجديد، والسماء أكثر زرقة، والنفوس عذبة نقية، دعيني أنظر إلى عينيك طويلا طويلا ؛ً لأكتشف لون عينيك ، و أغتسل بمائها الأسود النقي، فأغرق في الليل، في ظلماته المنعشة ، وأشم رائحة العطر الشقي المنثور على حوافها ، وأنشق بعمق رائحة التبغ والقهوة المجنونة ،فأسافر بعيدا مع الذكريات، كما يسافر الآخرون في الفضاء.

لو تعرفون ما أسمع!!! أسمع موسيقى ساحرة تفتت الصمت البليد، صوت طيورالغرام، تغريني بالنوم العميق الصافي على أرجوحة فرح تحمل العيد معها.

في ليل عينيك الشاسعة كل شيء ، شموس، وأقمار متعبة، أباريق ممتلئة بالشهد والنعناع، بنفسج، أسود،أحمر عنبي.

في موقد عينيك المشتعلة تلسعني الحرارة ويحاصرني البرد! ! في عينيك كل شيء؛ فدعيني أنظر فيها طويلاً طويلاً !!!

4_بلسم ...

يفر النهار كلص ! يصبغ المساء الناعم المكان بلون الشفق الرقيق الغامض ، تغمر السكينة الأرواح المتعبة من الكد ومن الزمن ، تتأمل رحابة وعمق السماء ، سكينة وصمت ونقاء ، يتسلل إليك ضوء القمر الفسفوري كشراب مضيء عبر الغمام الشفيف ، يبللك برقة ، فتسمع أزيز عظيم من حشد الآلام و الصرخات و التنهيدات المتنافرة ، تنسل من جسدك كالعاصفة ، يحولها الفضاء الرحب لنغم صاخب كالهزيم .

5_شوق

حمام يحلق في صدري ، يغسل دمي بماء المطر ، يضمّد النزيف في روحي ، ينبت عشبا حارا على فوهات شراييني يناديني : اتبع صوتي وينبوعي في فضائي الفسيح ، إني أراك ، فهل تراني رغم الدهشة ؟!

6_زهرة

رأيتها كثيرا وكأني لم أراها إلا قليلا ، أنيقة ،ومتوهجة وأكثر ذلك ، تجبرك على الوقوف مصلوبا أمام عينيها الهائلتين الممتلئة بالحكايا و المرايا ، المتلألئة بغموض مستحيل ، نظرتها تلتمع كانفجار في الظلام فتسكب وهجا على حلمك الليلي العميق ، تسكن وجهها المقلق إرادة قاسية ممزوجة بابتسامة رقيقة لكنها غامضة ! تلمحها مشرقة كزهرة يانعة ولذيذة تحيطها غيوم تجري ، فتلهمك ليس على قهرها كبقية النساء ، بل الخضوع لرقتها و الموت البطيء أمامها.

7_رسالة ...

إلى الأحبة الذين أدهشونا و نالوا من قلوبنا ثم غابوا , إلى الأحبة الذين حلقوا بنا بعيداً في سماء الوجد ؛ لنستمتع أكثر بألق الحياة و بهجتها نناشدكم ألا تنسوا قلوبنا المتعبة من الفراق ومن الزمن.