مع أن كافة المؤشرات التي تعالج زلزال التحقيقات المتتابعة والمتوازية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، تؤكد على أن نهايته قد قربت وأن سيف العدالة سيطاله في نهاية الأمر، إلاّ أن هناك من يعتقد أنه رغم وجود أربعة تحقيقات حول شبهات بالفساد تطاله، فإن نتنياهو الذي أثبت خلال سنوات حكمه المتتابعة، قدرة هائلة على الخروج من المآزق مهما كانت على ضوء ما يتمتع به من ذكاء وحنكة من ناحية، وولعه بالبقاء على سدة الحكم بصرف النظر عن الثمن مقابل ذلك من جهة أخرى، الأمر الذي قد يودي بتطلعات الكثير من الذين يعتقدون بأنه بات أقرب إلى مثل هذه النهاية، وهنا يصحُّ القول بأن نتنياهو يتخذ من قدراته على التلاعب بالأحداث والإجراءات، بحيث يقترب كثيراً من الشعوذة والسحر واللعب بما هو غير منطقي أو معلوم، ولديه أوراق عديدة يمكن له أن يلعبها لإطالة فترة بقائه بالحكم دون التخلي عن رئاسة الحكومة بالاستقالة أو الإقالة، ودون اللجوء إلى انتخابات برلمانية قبل أوانها الدستوري.
البعض يتطلع إلى توجيه «لائحة اتهام» بقضية أو أكثر من القضايا الأربع التي تحيط بشبهات فساد وغيرها من الشبهات، كي يشتد الخناق على رقبة نتنياهو وتدفعه إلى الاستقالة، إلاّ أن ذلك ليس كافياً من الناحية القانونية، وفقاً لقانون الأساس الإسرائيلي، مجرد توجيه لائحة اتهام إلى وزير، يجب على هذا الأخير الاستقالة من منصبه، إلاّ أن الأمر على خلاف ذلك بالنسبة إلى رئيس الحكومة، إذ لا يكفي من الناحية القانونية توجيه لائحة اتهام ضده لإجباره على الاستقالة، لكن البعض ربما يأخذ بالمبدأ الأخلاقي في هذا السياق، إذ يكفي أن هناك تحقيقات في أربع قضايا كبرى، أو إمكانية توجيه لائحة اتهام في واحدة منها، لكي تدفع ـ من الناحية الأخلاقية ـ رئيس الحكومة إلى الاستقالة، خاصة وأن نتنياهو، وحتى قبل أن توجه لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة السابق أولمرت، طالب هذا الأخير بالاستقالة من منصبه لدواع أخلاقية، غير أن نتنياهو يتجاهل الأمر عندما يصبح هو هدف هذه الاستقالة!
عام 1977، فتحت ليئا رابين، زوجة رئيس الوزراء في ذلك الحين اسحق رابين حساباً بنكياً في الولايات المتحدة خلافاً للقانون، ما اضطر هذا الأخير إلى الاستقالة رغم أنه من الناحية القانونية كان بإمكانه البقاء في منصبه، إلاّ أن أسباباً «أخلاقية» دفعته إلى الاستقالة، وهو أحد كبار مؤسِّسي الدولة العبرية، إلاّ أن مثل هذه الأمثلة التي لا تروق لرئيس الحكومة الممعن في الغطرسة والتحدي لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد!
في آخر استطلاع إسرائيلي للرأي، تم نشره الأحد الماضي في القناة العاشرة الإسرائيلية، طالب 66 بالمئة من المستطلعين نتنياهو بالاستقالة في حالة إدانته في واحدة من القضايا ضده. رئيس الحكومة الذي يهتم دائماً باستطلاعات الرأي ونتائجها، لم يقرأ هذا الرقم على الأرجح لكنه قرأ ما جاء في الاستطلاع المشار اليه من ان 21% من المستطلعين طالبوه بالبقاء في منصبه حتى في حال إدانته، وعليه في هذه الحالة، وفقاً لتجربته أثناء قيادته للحكومة أو من خلال شعاراته وأدائه أثناء الحملات الانتخابية، زيادة هذا الرقم المؤيد له وهذا يتطلب سيناريوهات عديدة، لعلّ في طليعتها توجيه بوصلة الأحداث خارج التحقيقات القضائية، والتركيز على المخاوف الأمنية الآتية من الحدود الشمالية والجنوبية، حزب الله وحركة حماس، وافتعال حرب أو أكثر يُوحِّد الجمهور كما الأحزاب خلف قيادته في مواجهة تلغي أو ترجئ البحث في مسألة القضايا والتحقيقات، هذا السيناريو بدأ يأخذ طريقه إلى آراء أصحاب الرأي ووسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية على حد سواء، كسيناريو يمكن لنتنياهو اللجوء له للتهرب من الضغوط المتزايدة المطالبة باستقالته.
مساء الاثنين الماضي، وفي أول حديث له حول مسألة التحقيقات، قال نتنياهو أمام حزب الليكود، إنه «لن يستسلم.. لن يحدث ذلك» منوهاً هذه المرة إلى أن مسؤولين فلسطينيين ينتظرون سقوطه، وفقاً لما صرح به بعضهم على صفحات التواصل الاجتماعي.. وأضاف نتنياهو، الفلسطينيون واليساريون لدينا يريدون إنهاء حكم اليمين ولن أُمكِّنهم من ذلك.. وسائل إعلام إسرائيلية سخرت من هذا الحديث، فالسلطة الفلسطينية أعلنت أن الأمر يتعلق بالسياسة الداخلية الإسرائيلية ولا شأن للسلطة بها، وأضافت هذه الوسائل، ان نتنياهو تعمّد الإشارة إلى ترحيب مشكوك به من قبل الفلسطينيين لكي يُوحِّد حزب الليكود من خلفه، إلاّ أن ذلك قد لا يسعفه كثيراً على ضوء المتطلعين الكثر في قيادات الليكود، للاستحواذ على منصبه، رغم ظهور الحزب وكأنه يقف من خلفه، خاصة وأن استطلاعات الرأي تفيد بأن الليكود سيحافظ على مقاعده في الكنيست في الانتخابات البرلمانية القادمة، وأنه سيحظى برئاسة الحكومة مجدداً ولكن برئاسته في هذه المرة.