إشــاعــــات

عبد الغني سلامة.jpg
حجم الخط

بعد أن أعلن الرئيس محمود عباس قراره بتجميد كافة أشكال الاتصال مع إسرائيل، انتشر على الفور على صفحات الفيسبوك صورة لكتاب صادر عن مكتب حسين الشيخ مفاده أن القرار يستثني التنسيق الأمني.. ولاقت هذه الصورة رواجا كبيرا.. وإثر ذلك كذّب مكتب الشيخ الخبر، ونفى إصداره مثل هذا الكتاب.. وطبعا لم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها ترويج مثل هذه الأكاذيب.
وفي تزوير مماثل، وفي أثناء إضراب الأسرى وعشية زيارة «ترامب» لبيت لحم، تناقل نشطاء صورة لكتاب صادر من «رامي الحمد الله» بمنع فعاليات التضامن مع الأسرى المضربين، وهدم خيمة الاعتصام في كنيسة المهد.. في اليوم التالي زار ترامب بيت لحم، وظلت خيمة التضامن على حالها دون أن يمسها أحد، وتبين أن الكتاب المزعوم مزور.
وقبل فترة وجيزة، انتشر على مواقع التواصل خبر «تبرع وزير فلسطيني بمبلغ مليون دولار لمستشفى إسرائيلي».. وتناقل الناس الخبر بكثافة.. بعد يومين تبين أن المواطن «عماد أبو دية» من مخيم جباليا هو الذي تبرع لمستشفى رامبام، حيث تم علاجه محولا للعلاج من قبل وزارة الصحة الفلسطينية.. وتبرعه كان عبارة عن بعض الألعاب للأطفال المصابين بالسرطان، ممن يعالجون في المستشفى، وليس بمليون دولار.
وأيضاً، تناقلت وسائل إعلامية مختلفة خبرا يقول «السلطة تضغط على الأردن لفتح السفارة الإسرائيلية في عمّان»، ومع وضوح سذاجة الخبر، خاصة وأن السلطة ليس بوسعها أن تضغط على الأردن.. إلا أن الناس تفاعلت معه بحدية، وأفرطت في شتم السلطة.. علما أن الخبر غير صحيح، ومصدره صحيفة عبرية، وقد أعرب وزير الخارجية عن غضبه لنشر الصحيفة العبرية لهذا الخبر ونفاه جملة وتفصيلا، وأكد أن السلطة لا دخل لها بالموضوع.
مثل هذه الأخبار المفبركة، وغيرها كثير، تسترعي انتباهنا لثلاث نقاط:
الأولى، أن هناك حملة دعائية منظمة تُدار ضد السلطة الفلسطينية هدفها الإساءة لها.. وتشويه صورتها (فوق ما هي مشوهة)، وتعميق الفجوة بينها وبين الشعب، وتعزيز كراهيته لها، وتحريضه عليها.. وهناك أكثر من جهة تدير وتخطط وتنفذ هذه الحملة، بكل خبث وحقد واحتراف، ولا تتورع عن الكذب والتزوير وتشويه الحقائق ونشر الإشاعات. 
الثانية، أن السلطة في كل مرة تثبت فشلها، وعجزها، وضعفها في الدفاع عن نفسها.. وافتقادها إدارة الإعلام المؤسساتي، وعدم قدرتها على بناء علاقة جيدة ومهنية مع وسائل الإعلام المختلفة.. فإما أن الجهات المختصة تتلكأ في توضيح الصورة، أو لا تفعل ذلك أبداً، أو تضع نفسها في موضع التبرير والمتهم.. أو أنها لا تهتم بالقدر الكافي بمثل هذه الأخبار، وتكتفي بإصدار بيان مقتضب، وغالباً لا أحد يسمع به، وأحيانا يكون من حسن حظها أنه لم يطلع عليه أحد، لبؤسه وركاكته.. ولم يحدث أن حاسبت السلطة من يختلق، أو يتناقل الأخبار الكاذبة، والمسيئة. 
والثالثة: تكرار الأخطاء الفادحة التي يقع فيها الصحافيون، لا نلوم هنا صحافة المواطن، وما يتناقله نشطاء الفيسبوك، فهؤلاء غير مدربين على العمل الصحافي، وبعضهم جل همه الإثارة وتجميع اللايكات.. اللوم على من يحملون شهادات الإعلام، ويعملون في وكالات الأنباء المختلفة، ومن أبرز أخطائهم نقل كل ما تنشره الصحف العبرية دون مراجعة، وكأن الصحافة العبرية لا تكذب ولا تزور، ولا تتدخل فيها المخابرات.. والخطأ الثاني التسابق على نشر الخبر قبل أن تتأكد من مصدره، أو تتثبت من صحته بالاتصال مع الجهات ذات العلاقة بالخبر، أو حتى باستخدام العقل والمنطق.
الناس تترقب باهتمام أي خبر يسيء للسلطة، وتتفاعل معه دون تمحيص أو تدقيق.. حتى لو كانت في عقلها الباطن تعلم أنه خبر كاذب، أو مبالغة واضحة، أو تلفيق مكشوف.. تعتبرها فرصة للتعبير عن سخطها وغضبها.. هذا بشكل عام، ولكن هناك فئات سياسية وحزبية تتلقف مثل هذه الأخبار، وتعيد بثها ونشرها على أوسع نطاق في إطار عمليات تصفية حسابات سياسية، وضرب تحت الحزام، وانتهاز الفرصة للنيل من السلطة، وإثبات أنها خائنة ومستسلمة ومفرطة وووو..
الموضوع هنا ليس دفاعا عن السلطة.. السلطة ارتكبت وما زالت ترتكب أخطاءً فادحة وخطايا قاتلة.. الموضوع كشف الأساليب الرخيصة وغير البريئة في مهاجمة السلطة، أساليب التزوير والفبركة والكذب وتقنيات الفوتوشوب، والتي أدت إلى تشويه سمعة السلطة بشكل أكبر مما تستحق.. واتهامها بأشياء لم تحدث أصلاً.. وكأن أخطاءها «الحقيقية» غير كافية.. الموضوع أيضا خلق تيار رأي عام مضلَّل، مبنيا على أخبار كاذبة وتحليلات ساذجة.. والأهم من ذلك، أن الجماهير ستظل في واد، والحقيقة في واد آخر.
بعض الأوساط المؤثرة في السلطة تخشى أي انتقاد من قبل الجهات الحقوقية والمنظمات الدولية، لذلك تجدها تحرص على سمعتها «الديمقراطية» بطريقة تجعلها تغض الطرف عن كل ما تقترفه وسائل الإعلام بحقها، وهذا الأمر قد يكون إيجابياً من جهة، ولكن إدارته بهذه الطريقة ستجعل هيبة السلطة ساحة مستباحة، وستظل «الحيط الواطي» الذي يسهل على كل من له أجندة معينة أن يقفز عنه..
ولنتذكر حملات «الجزيرة» المشبوهة على السلطة (حملات غولدستون، وأيام الحرب على غزة، وما سمته كشف المستور)، حين تحول مذيعوها إلى ممثلين بائسين، كل همهم إظهار السلطة بأقبح صورة ممكنة.. في كل مرة كانت السلطة كمن أخذ على حين غرة.. تقف مكتوفة ومتفرجة وتتلقى الإهانات.
المفارقة، أن السلطة تتشدد في القضايا التي تطال شخصيات معينة، وتسكت أمام القضايا الكلية التي تمس سمعة السلطة نفسها!
نحن في عصر الإعلام.. والكلمة سلاح خطير.. وآن لنا أن ندرك ذلك.