عملية جراحية خطرة لإنهاء الانقسام

رجب أبو سرية.jpg
حجم الخط

بحديث الأوساط الأميركية عن توقف اهتمام البيت الأبيض بمتابعة محاولة إطلاق المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، عقب الأزمة التي نشبت الشهر الماضي حول الحرم القدسي الشريف، تكون السلطة الفلسطينية أيضا، كما هي حال حركة حماس بعد الأزمة التي نشبت بين قطر والرباعي العربي، قبل نحو عشرة أسابيع، قد دخلت في ضائقة سياسية، وفقدت الأمل الذي كان يمكنها أن تقنع به الشارع الفلسطيني بجدوى خيارها السياسي، القائم على أساس الكفاح السلمي، عبر قنوات التفاوض والمنظمات الدولية وما إلى ذلك.
وإذا كانت حركة فتح قد سجلت انتصاراً ثانياً قبل شهر، حين فرض المقدسيون التراجع على إسرائيل حين قامت بإقامة البوابات الإلكترونية على مداخل الحرم القدسي، للتحكم بدخول المصلين إليه، بعد انتصارها في معركة الحرية والكرامة قبل نحو أربعة أشهر، فذلك يعني أن قوة دفع قد ضخت في صفوف الحركة وليس السلطة، ما صلّب من موقف السلطة التفاوضي، وفتح لها الباب لتجد الشقيق الأردني في الخندق ذاته، المواجه لحكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة بعد واقعة الحرم والسفارة الإسرائيلية في عمان.
بذلك فقد «تفرغ» الطرفان الداخليان لبعضهما، وبعد نحو خمسة أشهر من بدء المسار التصاعدي للإجراءات التي بدأت باتخاذها السلطة المركزية بهدف الضغط على حركة حماس للتقدم باتجاه إنهاء الانقسام، والتي بدأت باقتطاع 30% من رواتب موظفي السلطة من المقيمين بقطاع غزة، ما يعني الانخفاض بمستوى القوة الشرائية فيه، ثم اتبعتها بالتوقف عن تغطية فاتورة الكهرباء للجانب الإسرائيلي، وكذلك التصعيد الذي بدأ الشهر الحالي بتنفيذ إحالة أكثر من ستة آلاف موظف للتقاعد رسمياً، دون أن ترضخ حماس لهذه الإجراءات وتعلن عن حل اللجنة الإدارية التي تقوم بمهام الحكومة في قطاع غزة، فإن ما تفكر فيه السلطة من ضرورة إنهاء الانقسام بعد أكثر من عشر سنوات على وقوعه، وبعد توقيع عدة اتفاقات وتفاهمات، وبعد عشرات اللقاءات على طريق المصالحة دون جدوى، وذلك باللجوء للعملية الجراحية التي تعني أن المريض قد وصل إلى حالة متقدمة من المرض، ما لم يعد فيه مجديا علاجه بالأدوية التقليدية، وأن إجراء العملية الجراحية بقدر ما يبدو خيارا أخيرا وضروريا فإنه ينطوي في الوقت ذاته على مخاطر تتراوح نسبه نجاحها، وهي بتقديرنا ليست أكثر من 10 - 20%.
هناك مخاطر أن تؤدي العملية الجراحية ليس إلى فشل الشفاء، أي إنهاء الانقسام - هنا - بل إلى ما هو أسوأ، ومن ضمن هذا الأسوأ الذي نقصده، هو أن يتم إعلان الانفصال بشكل نهائي ورسمي، وهناك إسرائيل تتربص وتتحين الفرصة لتجد لها شريكا سياسيا فلسطينيا يفاوضها على «دولة غزة».
الآن هناك لجنة إدارية حمساوية تدير القطاع، وذلك التفافا على اتفاق الشاطئ، مقابل إجراءات بدأت بخصم 30% من رواتب موظفي السلطة بغزة، أي إحالة تمهيدية إلى التقاعد المبكر، دون الإعلان عن الاستعداد لاستيعاب موظفي حماس في السلطة، أضيف إليها تقاعد فعلي لأكثر من 6 آلاف موظف، ثم وقف دفع فاتورة الكهرباء، وتحويلات العلاج بالخارج، إضافة للمنح الدراسية، ومرتبات الأسرى والشؤون الاجتماعية، وفي الجهة المقابلة، ذهبت حماس إضافة للجنة الإدارية إلى تفاهمات مع جماعة محمد دحلان نكاية بالسلطة!
الطرفان، تحاورا عبر الإعلام، ومن جهة حماس فتحت مثلثاً للعلاقات الخارجية، الأول تنظيم غزة مع دحلان، والثاني تنظيم الضفة مع السلطة، والثالث تنظيم الخارج مع إيران!
أما السلطة فإنها اقتربت من الأردن أكثر، وحافظت على خطوطها مع مصر، وعلى كونها المستوى الرسمي، لكن ما هو قادم، يشي بالتصعيد، فالسلطة ترتب لعقد جلسة المجلس الوطني لـ (م ت ف) دون التوافق مع حماس، أي دون أن تعني الجلسة القادمة دخول حماس والجهاد للمنظمة، ما يعني تكريس واقع الانقسام السياسي الذي سبق انقسام ولاية السلطة بين الضفة وغزة، كذلك فإن اقتراب السلطة من إحالة موظفي الصحة والتعليم بغزة بشكل خاص يعني أن هذين القطاعين سينهاران تماماً، لأن موظفي السلطة فيهما يمثلون عنصر الخبرة والعمود الفقري لهما بنفس الوقت.
العملية الجراحية وصلت إلى لحظة، شق البطن، وفتحه ليظهر ما بداخله على الملأ، فحماس تلوح بحجب الثقة عن الرئيس والرئيس يلوح بحل المجلس التشريعي، وهذا يعني أن فتح وحماس في حال الوصول إلى تلك اللحظة قد باتا خطين متوازيين لا يلتقيان.
وبصرف النظر عن الجدل الذي يمكن أن ينشأ حول إن كان يحق لكتلة حماس البرلمانية معتمده على أغلبيتها النظرية، أن تحجب الثقة عن رئيس منتخب من الشعب مباشرة في ظل نظام رئاسي وليس برلمانياً، فضلاً عن صحة الجلسات التشريعية أصلاً في ظل عدم وجود دورة برلمانية وفي ظل عدم تحقق النصاب القانوني، كذلك حول صلاحيات الرئيس بحل المجلس، وما يتلو ذلك من دعوة واجبة لإجراء انتخابات جديدة.
نقول إن المشكلة ليست قانونية أصلاً ولا تحل باللجوء لخطوات من هذا القبيل، فإجراءات الرئيس لن تنفذ على أرض غزة، كذلك ما يمكن أن تتخذه حماس من إجراءات تجاه الرئيس والسلطة بالضفة، لا قيمة له عمليا. لكن ذلك يعني بالتدريج رفع غطاء السلطة الشرعية عن سلطة حماس بغزة، وكشفها أمام الخارج، كما يعني أن حماس تنفصل بغزة عن الضفة.  مع ذلك فإن طريقا وحيدة لإنهاء الانقسام لا يعرفها الطرفان، وهي طريق الكفاح ضد إسرائيل، فالصراع الداخلي يكون على «السلطة» فيما التنافس يجب أن يكون على من يحارب إسرائيل أكثر، ومن يمكنه أن ينتزع منها حقوق الشعب الفلسطيني.