صبيحة اليوم الأول من عيد الفطر الموافق الثالث من تشرين الثاني 2005، كان الطفل أحمد إسماعيل الخطيب (12 عاماً) من مخيم جنين على موعد مع رصاص الاحتلال المتفجِّر بتهمة اللهو بمسدس بلاستيكي.
الخطيب نقل إلى مستشفى رمبام في حيفا حيث أعلن عن وفاته سريرياً.. قبل أن تنزع عن جسده الأجهزة الطبية ليعلن عن استشهاده.
قصة الطفل الخطيب كان يمكن أن تمرّ كما قصص آلاف الشهداء الفلسطينيين، إلاّ أن عائلته الثكلى دخلت تاريخ الإنسانية والعطاء عندما أحيت بأعضائه التي تبرّعت بها خمسة أشخاص بينهم 3 يهود.. ما زالت خلايا الخطيب الفلسطينية تحمل الحياة لهم.
عائلة الطفل ما كان يتوقع منها أن تقبل هذا التبرُّع، خاصة أن دماء شهداء جنين لم تكن قد جفَّت. ولكن هي المشاعر الإنسانية، أو ربما درس لكل الإسرائيليين الذين أصابهم شطط العنصرية الهوجاء.. حتى أضحت شهوة القتل والتخلُّص من كل ما هو غير يهودي (أو ما يطلقون عليه "الأغيار") أمنيةً.
والد الطفل الشهيد عقب موافقته على التبرُّع بأعضاء طفله، قال: "جنود الاحتلال اختاروا الموت لابني، وأنا بعد مشيئة الله، أردت أن أُساعد أطفالاً وأُناساً آخرين كي ينعموا بالحياة.. بصرف النظر عن عرقهم وقوميتهم ودينهم.. وأرجو أن تكون لتجربتي فائدة، حيث إن دولة إسرائيل لم تؤمن بغصن الزيتون، ولم تفهم معنى السلام من غصن الزيتون، وأرجو أن تفهم معنى السلام وتؤمن به عَبر تبرُّع والد فلسطيني بأعضاء ابنه الذي قتله رصاص الاحتلال ليعيش إسرائيليون".
يذكر أن طحال الخطيب نقل لطفل يهودي في الثالثة من العمر من القدس المحتلة. فيما نقلت كليته لطفلة يهودية في الثالثة من العمر، أيضاً، أما كبده فنقل ليهودية في الخمسين من العمر، وكان من المقرر أن يزرع عضو رابع لرضيع يهودي إلاّ انه توفي قبل ساعات من العملية.
انتهت قصة الخطيب التي سيذكرها التاريخ، ولا ندري إن كانت ذاكرة عنصريي دولة الاحتلال قادرةً على التذكر، أم أن نسيان كل ما هو إنساني من الفلسطينيين ليس ذا قيمة.
الدكتور صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وكبير المفاوضين الفلسطينيين مؤلف كتاب "الحياة مفاوضات" لم يكن يدري أن ماراثون المفاوضات مع الذين غرقوا في عنصريتهم قد يصيب رئته.
عريقات المصاب بالتليُّف الرئوي بحاجة ماسّة إلى زراعة رئة، والأفضلية في مكان الزراعة هو الولايات المتحدة أو إسرائيل. ولكن ما إن أعلن عن ذلك حتى سارعت شخصيات وجهات يمينية إسرائيلية إلى التحريض ضده، والمطالبة بعدم منحه الرئة أو زراعتها في حال توافرها.
العنصرية والكراهية وصلتا حتى أعضاء الكنيست الإسرائيليين، عضو الكنيست عنات بيركو من "الليكود" تكتب "لا حاجة لإخفاء الحقائق، صائب عريقات هو عدو لدولة إسرائيل".
عشرات الجنود والضباط الإسرائيليون شاركوا بحملة على قناة التلفزيون السابعة التابعة للمستوطنين ضد منح عريقات ما يحتاجه جسده!
الحملة ضد عريقات وصلت حتى الفتاوى القانونية في إسرائيل، وأضحى البحث في إسرائيل ليس عن أنسنة القوانين وإنما عن ترسيخ عنصريتها هو الأساس. وراح الإسرائيليون يبحثون عن ثغرات في القانون لسدِّ الطريق أمام عريقات.
عريقات الباحث دوماً عن السلام الحقيقي والقواعد الإنسانية والأدبية في التعامل مع الآخر.. ما زال على رأس عمله ونشاطه رغم آلامه.
عريقات نجا من محاولات اغتيال سياسي وتشهير أكثر من مرّة.. لم تبدأ بفضائية "الجزيرة" التي قادت حرباً شعواء ضده، ولكنه انتصر فيها بقوة إرادته.. وطعن "الإخوة الأعداء" وحسدهم.. وليس انتهاءً بعنصرية دولة الاحتلال وكراهيتها.
في لقاء مع عريقات بمكتبه تحدث عن الكوليسترول وأن جسده من النوع الذي ينتج الكوليسترول بشكل كبير.. رغم كل محاولات "الريجيم" والرياضة المتواصلة التي كان يقوم بها.. ولكنه أكد أنه قادر على المواجهة.
اليوم عريقات يواجه رئته.. ولكنه، أيضاً، سينجو لأن الإنسانية أكبر من العنصرية والكراهية.
هي دعوة لملايين الفلسطينيين في الداخل والخارج، دعونا نقهر عنصريتهم وكرههم ونعلن جميعاً عن تبرعنا للدكتور عريقات.. فهل من مجيب؟!