الذي يقع عليه العبء هو المواطن الفلسطيني. يقع عليه عبء القلق على الوطن ومستقبل القضية، وعبء الضيق الحياتي بجميع جوانبه الحرياتية والحقوقية والمعيشية، ومعهما عبء استلاب الدور.
الحراك الشعبي لم ينضج بالمستوى المرجو ليشق لهذا المواطن الطريق للخروج من التوهان ومن الضيق الحياتي، ولاستعادة الدور.
ورغم انه يبقى المخرج الأساسي وربما الوحيد، فان الطريق أمام هذا الحراك لا تبدو سهلة ولا ميسّرة بعد أن همّشت مكوناته وهمش دورها بعد اتفاقات أوسلو، ثم وبشكل أقوى بعد انقلاب حماس الذي كرّس الانقسام، وكرس معه وحدانية الحكم في نصف الوطن، وكرس تسلطه وسطوته، وطلاقه البائن مع الديمقراطية وقبلها المشاركة.
تمتلئ الأجواء بتراشق ما يسمى بالمبادرات وربما تأتي من اكثر من جهة في الطرف الواحد، وربما تحوي فروقات فيما بينها.
حتى ما ادّعى انه مبادرة مصرية قدمت للرئيس ابو مازن، لم تعلن عنها مصر وانما أعلنت عنها حركة حماس بعد شهر تقريباً من تاريخها المفترض خلا من اي إشارة لها او خبر عنها، ونفت صحتها ووجودها حركة فتح.
هذه المبادرات في معظمها لا تخرج عن كونها شروطاً يرد عليها بشروط، ودون ان تقترن بأطر وآليات التنفيذ الواقعية والجدية. وكلها تقريباً لا تفسح اي حيز لدور يقوم به الناس.
نداء (مبادرة) الرئيس ابو مازن جاء مستلهماً الأجواء التي اوجدها صمود اهل القدس دفاعاً عن المسجد الاقصى والتفاف كل الشعب الفلسطيني وقواه حولهم ومشاركته لهم، حتى انتصرت إرادتهم على إرادة الاحتلال وخططه.
النداء حوى طلباً/ شرطاً مركزياً هو إلغاء اللجنة الإدارية التي أعلنت حركة حماس تشكيلها في قطاع غزة، وتمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها ومسؤوليتها في القطاع. وحوى وعداً/ التزاماً مقابلاً بوقف الإجراءات" العقابية" وعودة الموازنة للقطاع كما كانت اذا حققت حماس الشرط المذكور.
لجهة المبدأ، لا يحتمل النداء اي جدل خلافي.
ما كان يمكن، وما زال ممكنا، هو الجدل في الآليات والتزامن، والاهم البناء على النداء باقتراح عناوين أُخرى هامة وذات صلة.
لا يمكن الجدل حول وجوب البدء بإلغاء اللجنة الإدارية.لا يجوز تقزيم الأمور بالادعاء أن اللجنة الإدارية، مجرد لجنة لإدارة أمور القطاع الحياتية في غياب حكومة الوفاق.
لا يستقيم هذا الادعاء مع تفعيل المجلس التشريعي بأعضائه من غزة فقط، وكلهم تقريبا من حماس، ليشكل سلطة تشريعية قامت بالتشريع لسلطة حماس فعلا، ولا يستقيم مع استقلال القضاء في غزة عن القضاء الفلسطيني العام ليشكل السلطة القضائية، ولا مع استقلال الأجهزة الأمنية وعدم ارتباطها بالأجهزة الفلسطينية المركزية، ولا مع تنظيف الجهاز الإداري الا من أعضاء حركة حماس، ولا مع إدارتها المنفردة للمعابر بدون اي ارتباط بالحكومة والسلطة الوطنية، ولا مع القدرة على منع إجراء الانتخابات في القطاع اذا ما عارضت حركة حماس إجراءها.
ما تقدم وغيره، مكونات وممارسات لنظام سياسي لا ينقصه الا استكمال الاعتراف الإقليمي والدولي به.
معظم، ان لم نقل كل، المكونات والممارسات المذكورة ظلت قائمة تتطور وتتجذر في مسار ثابت ومستمر منذ الانقلاب، لا يعيق تطورها وتجذرها كل الحوارات وكل الاتفاقات التي خرجت عنها. لكن إعلان اللجنة الإدارية، كحكومة أمر واقع في آذار الماضي شكل تطورا نوعيا في هذا المسار. فقد عنى، فيما عنى، الاعلان عن الكيان السياسي الخاص بقطاع غزة وقد اكتملت مكوناته وحان وقت ترسيمه واشهاره.
خصوصا وان الإعلان لم يتضمن اي إشارة تربط اللجنة مع السلطة الوطنية القائمة وحكومتها. بل حددت مرجعيتها بهيئة قيادية حمساوية مسؤولها الأخ " خليل الحية "، كما ان الإعلان جاء بعد انتهاء أعمال مؤتمر حركة حماس وانتخاب قيادة جديدة لها، وإقرار وثيقة سياسية جديدة حوت تعديلات عديدة على ميثاق الحركة السابق، بعضها نوعي.
كل ذلك يؤكد أن حركة حماس ليست في وارد القبول باي مبادرة او نداء او اتفاق لا يضمن لها استمرار سيطرتها وتحكمها الفعلي والواقعي على قطاع غزة بكل اموره وجوانبه، مهما كان الطربوش الموجود على الرأس.
اما لجهة تطبيق نداء الرئيس وآلياته في مواجهة رفض حماس الواقعي له، فان أسلوب العقوبات لا يبدو انه الأسلوب الأفضل ولا الطريق الأنسب.
ان ثقل العقوبات ومضارها سيقع على كاهل الناس العاديين، بسطاء الحال، وتزيد حياتهم تعقيدا على تعقيد وضنكاً على ضنك. فمن الصعب التصور ان العقوبات ستؤثر على حركة حماس صاحبة المسار والقرار، لا كحركة بشكل عام، ولا كقادة ومسؤولين، ولا ككادرات.
ان التبرير الذي يبدو في الشكل منطقيا والقائل بلا منطقية ان تصرف القيادة السياسية وحكومتها من موازنتها المحدودة على كيان سياسي يخرج عن ولايتها، ويناهضها.
هذا المنطق الشكلي لا يصمد أمام منطق الواقع الحياتي والإنساني والوطني لطيف واسع من المواطنين لا ذنب لهم. بل ربما يرتد مادة للتحريض ضد مستخدميه، تلقي قبولا.
هذا الكلام لا يعني بحال الانتقاص من حق، بل واجب، القيادة السياسية الضغط بأقصى ما تستطيع لاستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني.
ويبدو ان افضل وسائل الضغط واكثرها سلاما وديمقراطية هو ضغط جموع الناس والتنظيمات السياسية وقوى المجتمع المدني بكامل تنوعها.
وان يقوم الضغط على قواعد لا خلاف ولا جدل مجتمعيا وطنيا حولها.
في المركز من هذه القواعد. وحدة النظام السياسي وبرنامج عمله وعلاقاته ومؤسساته المختلفة، واعتماد الديمقراطية وسيلة وحيدة في ذلك، والوصول بها الى الانتخابات الدورية، العامة والمحلية، لحل خلافاتنا وتقرير أمورنا.