حالة من الاغتراب يعيشها المواطن مع قضاياه، بحيث أصبح كل حيز جغرافي يناضل مع قضاياه المختلفة وحده دون وجود مظلة كاملة الامتداد للتصدي والدفاع، وأخطر ما في الموضوع هو أن المظلة الوطنية النضالية التي يجب أن تشمل جميع الفضاء الفلسطيني أمست مهترئة وإن وجد هيكلها الصَّدِئ.
العديد من الأمثلة حولنا تبرهن ادعائي السابق، لكن أقرب مثال حي ما زال ينبض هو قرية كوبر التي تبتعد عن مدينة النظام السياسي الفلسطيني رام الله 10 كم فقط. منذ ما يقارب الشهر وهذه القرية صامدة وحدها في وجه الآليات والعقلية الاحتلالية بجهد ذاتي مصدره كل مكونات القرية.
لماذا اخترت هذه القرية كنموذج لادعائي؟ لأسباب كثيرة أهمها: قرب المسافة الجغرافية من مدينة المطبخ السياسي، وما تحتضنه القرية من إرث نضالي ووطني لشهداء وأسرى وجرحى كانوا ولا يزالون قادة للعمل الوطني على صعيد الوطن وليس الحيز الجغرافي لقريتهم أو محافظتهم أمثال: عادل وراغب البرغوثي، أبو مخلص، عزت بدوان أخ الشهيد نجم بدوان، محمد إبراهيم البرغوثي، عمر عبد الجليل العبد، حسن أبو الحاج والقائد الأسير مروان البرغوثي، نائل البرغوثي «أبو النور» و فخري البرغوثي «أبو شادي».
يجب تفكيك العديد من التساؤلات التي جعلت كوبر تتصدى للهجوم البربري وحدها دون أي فعل أو رد فعل مقاوم بأي شكل يذكر كان، حتى التصريحات الإعلامية التي تستنكر معدمة_» فإن لم يستطع فبلسانه»_ ولا تذكر من جميع مكونات النظام السياسي الفلسطيني؛ وحتى «المثقف» بجميع أشكاله في حالة سُبات دائمة ويكتفي بلعن الظلام في أحلامه.
أيضاً علينا التفكير بأن عملية النضال الدائمة تقع في مناطق خارج سيطرة السلطة الفلسطينية، إذ أصبحت المدن الرئيسة (A) فقط دورها التصدي لقوات الاحتلال وقت الاقتحامات، بالإضافة للمؤتمرات وورش العمل كحالة من النضال الفكري في كيفية مقاومة الاحتلال!!
كتبت سابقاً عن القدس تناضل وحدها كما هم الأسرى وحدهم، مع عدم شعورنا بما يحصل مع أصحاب الأراضي التي يتم مصادرتها بشكل سرطاني مسعور لبناء المستوطنات، فهم وحدهم أيضاً يناضلون ضد فعل الاحتلال الكولونيالي على أرضهم، لكن ما يحدث مع كوبر وغيرها من القرى يجعلنا نشعر بأننا جغرافياً أصبحنا ممزقين دون معرفة ما يحدث على أرض الواقع ودون بناء إطار نضالي في المواجهة.
إذ نجد هدم منازل في كوبر وحصار يخنقها والمدينة الأقرب لها دون أي معرفة للواقع المجاور لها والقنوات الإذاعية والتلفزيونية تكتفي بخبر عاجل هنا وهناك وننسى ونتناسى ما يحدث على أرض الواقع في كوبر!
النضال في كوبر كنموذج استنهض إعادة إحياء تجربة الانتفاضة الأولى لدى جيل جديد من جهة، وتعرية المحيط بها والبعيد عنها من حيث الإسناد الشعبي مع بعضنا البعض الذي فقدناه بعد أوسلو. فجميعنا يستذكر إذا ما كان هناك شهيد في رفح الرد يكون في جنين.
* هذا المقال إهداء لجميع مكونات قرية كوبر... أقل الواجب.