حركة حماس الإنقلابية تبحث عن مخارج لإزماتها العميقة عبر الإقدام على خطوات سياسية رعناء، تؤكد فيها خيار بناء الإمارة، او إطلاق بالونات إختبار بين الفينة والأخرى لحرف الأنظار عن اهداف الإنقلاب، او مواصلة حملات التضليل والتحريض ضد شخص الرئيس ابو مازن، لإيجاد ركائز ومسوغات لرؤيتها السياسية، أو إطلاق فتاوي ذات ابعاد سياسية، وحتى تضخيم أثر وتداعيات أحداث حصلت، او يمكن ان تحدث، للإيحاء ب"إتساع نفوذ" دورها على الصعد الداخلية والخارجية بمستوياتها المعروفة.
ما بين الضياع الناجم عن الأزمات الداخلية والخارجية بمستوياتها المختلفة، وبين الهدف المراد بلوغه من قبل قادة الإنقلاب في القطاع، يلحظ المراقب ان حركة حماس تعاني من إتساع الفجوة والمساحة بين الطموح والواقع والهدف المراد بلوغه. مما يدفعها للإقدام دوما على الإعلان عن مواقف وسياسات، او إرتكاب إنتهاكات ضد الجماهير والفصائل الفلسطينية او مع بعضها لإحداث خلط للأوراق في الساحة، لعل ذلك يساعدها في تحقيق أكثر من مأرب وغاية.
وقبل تحديد مآربها وأهدافها يمكن التذكير بأمثلة من سياسات فرع الإخوان المسلمين في فلسطين، منها: تسريب معلومات كاذبة عن مبادرة للمصالحة، طرحها الرئيس السيسي على الرئيس عباس اثناء لقائهما الأخير في القاهرة، وإدعت بلسان عدد من قياديها والصحفي ناشر الخبر في الحياة اللندنية الأسبوع الماضي أنها "وافقت عليها"، وبقيت "المشكلة" عند حركة فتح؛ حملة التحريض المتواصلة؛ زواج المتعة مع فريق محمد دحلان؛ عقد إجتماع لكتلة التغيير والإصلاح مع أنصار دحلان في مقر المجلس التشريعي بغزة؛ عقد إجتماعات لبعض اعضاء لجنة المصالحة الإجتماعية بمشاركة عدد من ممثلي الفصائل والتيارات؛ تنفيذ بعض الترتيبات اللوجستية على الحدود المصرية الفلسطينية للإيحاء بأن الإتفاق على فتح المعبر والشروع بالتسهيلات المصرية بات قاب قوسين او ادنى، وإشاعة سيناريوهات لا اساس لها من الصحة عن العلاقة مع مصر؛ تضخيم زيارة وفدها لطهران مؤخرا، والحديث عن الآفاق الرحبة في علاقاتها مع القيادة الإيرانية؛ وحول زيارات مرتقبة لرئيس حركتها الجديد لعدد من الدول العربية والإسلامية. وآخربدعها ما نقله موقع "الأناضول" على لسان مصدر مسؤول من كتائب القسام حول مقترح الفراغ السياسي، المقدم للجناح السياسي من قبل قيادة الجناح العسكري للحركة يوم الخميس الفائت، ويتضمن اربع نقاط: اولا إحداث فراغ سياسي وأمني في محافظات الجنوب بالإعلان عن حل اللجنة الأدارية دون تسليم حكومة الوفاق مسؤولياتها على الآرض في قطاع غزة؛ ثانيا تكلف الشرطة المدنية بدورها في تقديم الخدمات المنوطة بها؛ ثالثا تقوم بعض المؤسسات المحلية (البلديات والمجالس القروية والمحلية) بتسيير الشؤون الخدماتية للمواطنيين؛ رابعا تقوم كتائب القسام والأذرع العسكرية التابعة ل"لمقاومة" بمتابعة ملف السيطرة الميدانية والأمنية. وجاء هذا التسريب بعد تواتر الحديث عن عقد دورة جديدة للمجلس الوطني، ومواصلة الرئيس عباس إجراءاته لمحاصرة حركة حماس... والحبل على الجرار، حيث لن تتوقف حماس عن إجترار ذات السياسات والألاعيب العبثية لتحقيق أهدافها السياسية والأمنية واللوجستية والدينية والمالية /الإقتصادية..
وإذا توقف المرء عند مقترح كتائب القسام، الذي إدعى صلاح البردويل، عضو المكتب السياسي لحماس ب"عدم وجود " اساس له، بعكس المبادرة المصرية، التي تبنتها حماس، وهو إما يعكس غياب البردويل عن المتنفذين في مركز القرار الحمساوي، او أن الطرح للمقترح لقياس ردود الفعل، وبغض النظر عن موقف احد ابواق الحاكم بأمره يحيى السينوار، فإن الأهداف من المقترح تكمن في: اولا التأكيد على رفض حركة حماس تسليم حكومة الوفاق الوطني لمسؤولياتها في القطاع؛ ثانيا رفض خيار المصالحة من حيث المبدأ؛ ثالثا التشويش على الإعداد والتحضير لعقد الدورة الجديدة للمجلس الوطني،المنوي عقدها الشهر القادم؛ رابعا خلق حالة من الإرباك في الشارع الفلسطيني بالقطاع نتيجة الفراغ السياسي والأمني، وإطلاق العنان لخيار الفلتان الأمني والإجتماعي، وفي ذات الوقت التحريض على شخص الرئيس محمود عباس وقيادة المنظمة بذريعة تركها ابناء الشعب الفلسطيني في القطاع لمصيرهم "المجهول"؛ خامسا التأكيد على ان اليد الطولى في القطاع لكتائب القسام، وغياب أي دور للجناح السياسي الفاعل؛ سادسا إعطاء إسرائيل الإستعمارية ذريعة شن حرب جديدة على محافظات الجنوب؛ سابعا كسب الوقت عبر منهجية التسويف والمماطلة لتعميق خيارها الإنقلابي وبناء الإمارة على حساب المشروع والأهداف الوطنية... وغيرها من الأهداف. وبالتالي ما وزعته "وكالة الأناضول" عن الفراغ، ليس من بنات افكارها، إنما مع مطبخ الإنقلابيين الحمساويين، او بالتوافق بين مركز قرارها وحلفائها في الدوحة وأنقرة والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.