العسكر وفكرة الفراغ السياسي... شطحات خيال أم رؤية وقرار؟!

thumbgen (4).jpg
حجم الخط

 

"عندما أوردت وكالة الأناضول خبر الفراغ السياسي الذي تفكر به قيادة كتائب القسَّام، اهتزت أركان البيت الحمساوي، وصدرت الكثير من التعليقات التي تطرح العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام.. اجتهد البعض في نفي ما أعلنته الوكالة، فيما قام البعض الآخر بتأكيده، وتبين أن المسألة ليست مجرد حجر ألقي في بركة راكدة، بل قنبلة من العيار الثقيل أربكت الساحة الإسلامية والوطنية وأذهلتها، ووضع الجميع يده على قلبه، وأطلق الكتَّاب والمحليين السياسيين العنان لأقلامهم، مما زاد من حالة الارباك والقلق في الشارع الفلسطيني بشكل غير مسبوق، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال كم التغريدات والتعليقات المصاحبة لها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبهدف تجلية الموقف من فكرة الفراغ السياسي، سوف نتعاطى مع بعض ما طرحته الأقلام حول هذه الخطوة، بغض النظر عن جديتها أو كونها فقط بالون اختبار.
- الأستاذ حسن عصفور؛ السياسي المخضرم والمحسوب على خط اليسار الفلسطيني، كتب يقول: إن مقترح كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، لإيجاد حل للوضع غير الإنساني في قطاع غزة، والمطالب بـإحداث فراغ أمنى وسياسي، بأنه خطوة نوعية لحركة حماس قبل أن تكون لقطاع غزة.. وأضاف: إن هذه المبادرة هي انقلاب من حماس على محاولة الرئيس أبو مازن الانقلابية، وإنها وضع له في مقبرة سياسية!!
- الكاتب إبراهيم المدهون؛ إسلامي وكادر حمساوي، أكد من جهته أن قيام قيادة كتائب عز الدين القسّام بتقديم خطة للقيادة السياسية، والمكونة من أربعة بنود، للتعامل مع الأوضاع اللاإنسانية في قطاع غزة، جاء من باب شعور كتائب بخطورة الحالة الفلسطينية ومدى تأزمها.. وأضاف بأن كتائب القسام حينما تتحرك على أرض الواقع يكون بالتنسيق مع الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، معتبراً أن هذا التحرك قد يقلب الطاولة ويربك الحسابات، وإذا ما تمَّ سيطلق رصاصة الرحمة على فعالية السلطة الفلسطينية في قطاع غزة. وأشار إلى أن تأزم الأوضاع في القطاع سيعيده إلى ما قبل السلطة الفلسطينية، والتخلي عن جميع الالتزامات وفتح صراع حقيقي مع الاحتلال الإسرائيلي، وتحميله كامل المسؤولية عن واقع قطاع غزة، موضحاً: إن الحالة قد تتطور بشكل أو بآخر حتى تصل إلى حالة الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي.
- الأستاذ حسن عبدو؛ المقرَّب من حركة الجهاد الإسلامي، فقال: إن الفرضية الأكثر احتمالاً لتسريب القسَّام لخطة الفراغ السياسي والأمني هي أن تكون موجهة للاحتلال بالدرجة الأولى، إذ لم يعد مقبولاً لدى القسَّام أن ترفع إسرائيل مستوى استهدافها لمناطق فارغة وغير مأهولة إلى مواقع عسكرية مهمة ومأهولة.. فالتفكير في معادلة تحرر المقاومة بالرد السريع، ودون حساب الثمن، تتطلب التخلي عن المسؤولية السياسية والأمنية، وبذلك تنتهي حركة حماس بشقيها السياسي والعسكري كعنوان للقصف الإسرائيلي، الذي أصبح مكلفاً للقسَّام معنوياً وسياسياً ومادياً.
- الأستاذ عبد الله العقاد؛ محلل سياسي حمساوي الهوى، أشار إلى أن التسريب الذي جاءت به وكالة الأناضول في مقترح القسَّام للقيادة السياسية، يوجه رسالة واضحة بقدر ما فيها من الغموض، مفادها أن الاستمرار في الإجراءات اللاإنسانية التي يقوم بها الاحتلال عبر أدواته الرخيصة تجاه شعبنا في غزة، فإنه سيفضي إلى الواقع الذي جاء في مضمون التسريب، وهو يعني أن غزة لن تكون الخاسر الوحيد.. وهذا الواقع، يتحاشاه الاحتلال، لما يمكنه أن يخلق من تداعيات على مستويات متعددة.
- الأستاذ حمود مصطفى مرداوي؛ أسير محرر، قال: إن هذا التسريب وضوحه في غموضه؛ لكن المشكلة في فهم من يريد أن يقرأ الرسالة، ويتبنى قراءة تتغذى على أبعاد نفسية ومعلومات مسبقة.. إذ أن التسريب والغموض المتعمد فيه دفع الصهاينة في الظاهر لمواجهته بغموض، لكن في المسكوت عنه لا يمكن إلا أن نفهم أن حكومة نتنياهو توقفت عند محاولة فهم ما الذي يريده القسَّام؟ وهل هذا تكتيك أم تغيير تدريجي باتجاه استراتيجيات أخرى تبدأ بالاستنزاف، وتتصاعد في اشتباكات أقل من مستوى حرب؟ ومن هي الأطراف المقصودة والمستهدفة المباشرة وغير المباشرة؟ والقريبة في الإقليم والبعيدة في المنظومة الدولية؟ علماً بأن كل الأطراف تتفق على أن المنطقة قابلة للانفجار، وعلى وجه التحديد الوضع في غزة ومحيطها، جراء الحصار والتضييق.
الآن - وكما أشار الأستاذ مرداوي - أخطر ما سوف يواكب المرحلة القادمة الفهم الخاطئ لمقاصد الأطراف، والأخطر اتخاذ تدابير بناءً على الخلل في إدراك سلوك الآخر، مما يستوجب إجراءات موازية في ظل ظروف استثنائية في العلاقات البينية فلسطينياً، والإقليمية عموماً.
- د. حسام الدجني؛ كاتب ومحلل سياسي إسلامي، تناول مبادرة القسَّام من حيث الدوافع والسيناريوهات، مشيراً إلى أن القضية قد تكون صناعة أزمة لإدارة الأزمة الراهنة، التي تجسدت في اشتداد حلقات الحصار على قطاع غزة بعد العقوبات التي اتخذها الرئيس محمود عباس، كتقليصات الرواتب والتسريح القسري لآلاف الموظفين (التقاعد المبكر)، وتقليصات الكهرباء، والتحويلات المرضية إلخ....
وأن المبادرة تحمل العديد من الرسائل ولجهات عدة منها: الاحتلال الإسرائيلي، والسلطة الفلسطينية، وكذلك للمجتمع الدولي وبعض الأطراف الإقليمية المؤثرة.. وخرج د. حسام بخلاصة مقتضبة، وهي أن مبادرة القسام بحاجة لدراسة معمقة، يتم وضع حسابات الربح والخسارة على الطاولة بدقة متناهية، فالخطأ غير مسموح في القضايا الاستراتيجية، والتفكير خارج الصندوق مهم ولكنه ينبغي أن يكون مدروس بعناية.
- د. عدنان أبو عامر؛ الخبير بالشأن الإسرائيلي وحركة حماس، قال: لا زالت المعلومات شحيحة حول دعوة كتائب القسام لإحداث فراغ أمني وسياسي في غزة، لكنها فرصة للتذكير بجملة أبجديات أساسية: أولاً؛ علمتنا السياسة أن أسعى لحل أزمتي القائمة بصناعة أزمة أخرى، شرط أن تكون الأزمة "المصطنعة" أقل وطأة من "الحقيقية"، وهذا ألف باء سياسة.. ثانياً؛ رغم سوء الأحوال الاقتصادية، وتدهور الظروف المعيشية، فحماس تعتبر أن الاستقرار الأمني رأسمالها بغزة، وهو ما يعترف به الفلسطينيون، فلا يحسن التفريط به! ثالثاً؛ العدو الإسرائيلي يبدو "ظاهرياً" خارج الأزمة القائمة بين فتح وحماس، أو الضفة وغزة، وساحته عالمياً "خالية" من أي مسئولية، فلا أظن من الحكمة محاولة التحرش به، ظنَّاً منَّا أنه قد يضغط على الرئيس أبو مازن لتخفيف عقوباته عن غزة.. رابعاً؛ لا زال في جعبة صانع القرار السياسي بغزة خيارات أخف حدة من الذهاب لخيار "الكي"، أو قلب الطاولة على الجميع، فلا أحد يضمن التبعات المتوقعة على هذا الفراغ "غير الواضح"، وهل فعلاً سيهتم الرئيس أبو مازن كثيراً إن عمت الفوضى قطاع غزة وأهلها؟! وأخيراً.. جميل أن تكون هذه الدعوة من باب التلويح أو التهديد، دون أن تتحول مع مرور الوقت لخيار جدي حقيقي على طاولة صانع القرار!!
هذه بعض التغريدات والتعليقات التي صاحبت الخبر، وأخذت طريقها إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وما دار من نقاشات عبر الاتصالات الهاتفية بعيداً عن أعين القراء والمتابعين أكبر وأعمق من ذلك بكثير، الأمر الذي يستدعي جلسات عمل وتقديرات موقف لمثل هذه التصريحات والتسريبات والطريقة التي ظهرت عليها.
العسكر وأهل السياسة: من يقود ومن يقرر ويأتي أولاً؟
إن مثل هذا السؤال لا يطرح عادة في البيئات الديموقراطية؛ لأن الجواب هو أحد أبجديات الحياة السياسية، ولكن في المناطق التي تحكمها أنظمة الحكم الشمولي، فإن الهمهمة في مثل هذا السؤال تؤدي إلى معاقبة صاحبها.. اليوم نحن نتحدث عن حركة حماس؛ أكبر وأوسع حركة تحرر وطني على الساحة الفلسطينية، وهذا الذي سمعناه أو بدأنا نسمعه عن سيطرة العسكر على مقاليد الأمور حتى السياسية منها، لا يبشر بخير، وإن كانت قناعتي أن هذا السلوك هو شيء عارض، وأن هذه الحركة العظيمة قادرة على تصويب مسارها، وحفظ مقامات أنظمتها وهيئاتها؛ لأن النخب الفكرية والحركية فيها تتمتع برصيد هائل وفعَّال من الحظوة والمكانة، ولا يمكنها التسليم بالخلل أو التغول مهما كانت الجهة التي تقف خلفه.
إن فكرة "الفراغ السياسي" التي قيل إن كتائب القسام هي من اقترحتها أو قدمتها كرؤية للمكتب السياسي، لا تحظى بأي إجماع وطني، وهي بدون ذلك تبدو كمحاولة طائشة للتحليق في الهواء بلا أجنحة!
إن الذي نفهمه في عالم السياسة هو أن القيادات العسكرية والأمنية تقدِّم أفكاراً للمستوى السياسي القيادي تتعلق بشئون الحرب والدفاع، وتحصين الجبهة الداخلية، أما أن يتم التلاعب بأبجديات العمل التنظيمي والحركي، والقول بأن كتائب القسَّام هي من بادرت وربما من عملت على تسريب مثل هذه الأفكار، فهذه إشكالية كارثية، وتعكس ضعفاً وتسيباً لم يكن قائماً من قبل داخل مؤسسات الحركة الشورية ومرجعياتها السياسية، وهذه مسألة تستدعي طرحها بين نخب الحركة الفكرية والسياسية، بهدف القفز على نمطية السمع والطاعة، والتي لم تعد – من وجهة نظري - تناسب مكانة الحركة في مشهد الحكم والسياسة.
حتى اللحظة ما تزال تصريحات د. صلاح البردويل هي ما يتوجب الأخذ به، حيث قال: لا علم ولا اطلاع لنا كقيادة سياسية على هذه الأفكار، التي هي غير واقعية ومفبركة. وأضاف: إن حماس لن تترك فراغاً في غزة، وتابع القول: هذه أفكار مستوحاة ربما من حالة الضيق التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة، ولا توافق حماس على مثل هذه الأفكار… وقد تكون صادرة عن شباب ضاقت بهم الأحوال بسبب الأوضاع المريرة التي يعيشها القطاع.
كلام فيه الكثير من الوجاهة والنضج السياسي، ولكن يا ترى ما هي الحقيقة"؟!