صخرة كبيرة ألقت بها كتائب عز الدين القسام، في بركة مضطربة، ما زاد الأمور اضطراباً.
لم يعتد الناس على تدخل الكتائب في السياسة ولا على أن تقدم قياداتها اقتراحات ومبادرات على القيادة السياسية بالشكل الإعلاني العلني الذي تمت فيه.
النفي الذي جاء على لسان عضو المكتب السياسي للحركة في غزة، صلاح البردويل، لم ينه الجدل الذي تشهده الساحة الفلسطينية على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي المنتديات العامة والخاصة.
من الواضح أن المستوى السياسي في الحركة، لم يعطِ الموافقة حتى الآن ولا هو أعلن عن رفضها، ما يبقي كافة الاحتمالات موجودة.
هناك مبادرة، وفي الوقت ذاته لم توضع هذه المبادرة قيد التداول السياسي، ولا هي تستدعي ردود فعل من قبل الأطراف التي تعتقد أنها معنية.
في الواقع فإن مبادرة القسام، يمكن اعتبارها الآن على أنها بالون اختبار حقيقي لقياس ردود الفعل سواء من قبل القيادة السياسية للحركة أو من قبل الأطراف الأخرى.
اجتهد الكثيرون في تفسير أبعاد هذه المبادرة، وإذا ما كانت مهمتها توجيه بعض الرسائل الساخنة إلى أطراف عديدة فلسطينية وإسرائيلية وعربية، أم انها تقصد فعلياً، تخلِّي الحركة عن مسؤولياتها السياسية والاجتماعية تجاه قطاع غزة، ونحو تعزيز طبيعتها كحركة تحرر وطني تتبنى برنامج المقاومة.
البعض ذهب إلى اعتبار المبادرة تدخلاً من قبل الكتائب لتعزيز سيطرتها ونفوذها داخل الحركة بما ينطوي على شكل صارخ من الاحتجاج على الخطوة الأساس التي قادت الحركة للسيطرة على القطاع العام 2007، ومحاولة التخلص التدريجي من العبء الثقيل الذي ترتَّب عليها.
في كل الأحوال فإن طرح المبادرة الرباعية البنود للتداول على هذا النحو، من شأنه أن يُعبِّر عن خلافات في وجهات النظر داخل الحركة، ما يستدعي من قيادتها توضيح الأمور، وتحديد موقفها قبل أن تؤدي المبادرة إلى نشوء حسابات ومواقف وردود فعل الكل الفلسطيني في غِنى عنها.
في الواقع فإن رسالة القسام، ليست منفصلة، والأرجح أنها لم تفاجئ المكتب السياسي للحركة في غزة، الذي يقف على رأسه يحيى السنوار، ويضم عدداً من قادة الكتائب.
هذا يعني أن الرسالة التي تتوخّاها المبادرة، لا تخرج عن السياق العام للسياسة التي يشتغل عليها السنوار ورفاقه، وهي رسالة إصلاحية داخلية وخارجية، بمعنى لتصحيح الأوضاع داخل الحركة، وتصحيح خياراتها وعلاقاتها بكل ما يحيط بها.
السنوار عملياً هو الذي قاد ويقود السياسة التي تعمل عليها حماس وتقوم على تعزيز خيار الانفتاح على القاهرة وما بعدها، والإخلاص في تنفيذ التفاهمات التي وُقِّعَت مع مصر ومع فريق النائب محمد دحلان.
المسألة هنا ليست فقط مسألة تفاهمات، تكتيكية لتخفيف الأعباء عن سكان قطاع غزة، من خلال تخفيف الحصار، ومعالجة بعض الأزمات التي يعاني منها سكان القطاع، وينبغي أن لا يكون موقف الحركة إدارة الظهر لها.
أغلب الظن أن ما يسعى إليه السنوار هو إعادة صياغة الحركة وخطابها السياسي وخياراتها، وتحالفاتها، ومراهناتها على أسس تتوافق مع مضامين الوثيقة السياسية التي أقرّتها الحركة مؤخراً.
لا أعرف الرجل شخصياً، ولم أقابله، لكن من عرفوه واستمعوا إليه عن قرب، بعد تسلمه رئاسة المكتب السياسي، يقولون فيه شعراً ويشيدون بوطنيته. شخصياً كنت ممن اعتبروا اختياره على رأس المكتب السياسي، نقلة في دور الحركة، تستدعي رجلاً قوياً، سيكون قادراً على اتخاذ القرارات الصعبة.
كان ذلك حين كان الكثيرون يعتبرون اختياره، عنواناً لتصعيد قادم، باعتباره قائد القسام، وعنواناً للتطرف، وباعتقادي فإن مبادرة القسام، لا تقع ضمن التكتيك السياسي الذي يستهدف تخلِّي الحركة عن مسؤولياتها، وتعزيز خط الفوضى، داخلياً والتصعيد مع إسرائيل.
إن الموافقة رسمياً على مبادرة القسام من قبل القيادة السياسية، سيعني فيما يعنيه إعلانا عن عزل الحركة، ودخولها إلى مربع المغامرات غير محسوبة النتائج، والتي قد تضعف الحركة، وتساهم في تحجيم شعبيتها، خاصة وأن الناس في القطاع، لا يرغبون في أن يزجّ بهم أحد في أتون حرب تدميرية، اكتووا بنيرانها، ثلاث مرَّات خلال السنوات العشر الأخيرة.
لذلك أعتقد أن أولى الرسائل التي تحملها المبادرة داخلية، وتستهدف تطويع المعارضين في داخلها لصالح الإخلاص في تنفيذ خيار تفاهمات القاهرة، والرسالة، أيضاً، موجهة للفصائل في غزة، التي عليها أن تنخرط أكثر في الشراكة الجديدة التي تسعى إليها حركة حماس، بما يخفف عنها العبء دون أن ينال من قوتها.
ورسالة أخرى موجهة للقيادة الفلسطينية، ومفادها أن الحركة يمكن أن تقدم على خيارات محرجة للسلطة إن هي واصلت اتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية بحق غزة.
إسرائيل التي تحاصر قطاع غزة، ينبغي أن تشعر بالتهديد الجاد، فسواء تعلَّق الأمر بفراغ سياسي أو فوضى، أو تصعيد في القطاع فإن إسرائيل ستجد نفسها أمام تبعات خارجة عن سيطرتها، وقد تلحق ضرراً فيما يتعلق بمخططاتها لفصل غزة.
الرسالة الأخيرة، على الأرجح موجهة نحو تنبيه أطراف التفاهمات، إلى ضرورة، الاستعجال في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، والإقدام على مزيد من الخطوات التي ينبغي أن تؤدي إلى تخفيف معانيات الناس، وتخفيف وطأة الحصار المفروض على القطاع.