"القسّام".. حكم دون واجبات

thumbgen (12).jpg
حجم الخط

 

تداول الإعلام وأكد مسؤولون في حركة "حماس"، الفلسطينية، أنّ الجناج العسكري للحركة في قطاع غزة،  قدّم مبادرة من أربع نقاط بشأن التعامل مع الأزمة الحياتية الراهنة في القطاع. والقراءة الدقيقة للأفكار المطروحة، تشير إلى أنّ المقترح الفعلي هو الاحتفاظ بالحكم عبر السيطرة الأمنية، ودون أي فراغ أمني أو عسكري، ولكن مع التنصل من أي واجبات مدنية، خدماتية، واقتصادية، واجتماعية. وبعكس الشائع يمكن الاستنتاج أنّه إذا كانت "القسام" تعني ما تقوله، فهذا أقرب لموقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وحكومته، وليس تحدياً لها، إلا إذا كانت المبادرة ترفض السماح لأي أحد بالعمل في غزة. 
بحسب الإعلام، وتحديدا ما نقلته وكالة أنباء الأناضول التركية، عمّا سمي "مصدر مطلع" في "حماس"، تهدف المبادرة إلى "إحداث حالة فراغ سياسي وأمني بغزة، قد يفتح الباب على مصراعيه لكل الاحتمالات بما في ذلك حدوث مواجهة عسكرية مع الاحتلال (إسرائيل)". لكن تفاصيل المبادرة، لا يوجد فيها فراغ أمني، فالخطة تقول "تكلّف الشرطة المدنية بدورها في تقديم الخدمات المنوطة بها، وتقوم بعض المؤسسات المحلية بتسيير الشؤون الخدماتية للمواطنين". وتقول إن "كتائب القسّام"، والأجنحة العسكرية التابعة للفصائل الفلسطينية، ستكلّف بملف السيطرة الميدانية الأمنية. وأن الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية التي تديرها حركة "حماس"، ستكلّف بمتابعة الأمور الميدانية المدنية". فمن يقرأ المبادرة دون الجملة الافتتاحية عن الفراغ، يجد أن كل النص المعلن هو عن استمرار الأمن، وأن المعنى الفعلي هو ما لم يرد بالنص، وهو التنصل من أي مهام في دفع الرواتب للموظفين، والتنصل من الخدمات بدءا من الصحة والتعليم وصولا للماء والكهرباء والمجاري. 
بحسب التعريف الكلاسيكي للدولة، ضمن أبجديات العلوم السياسية، فإنّ الدولة هي الاحتكار الشرعي للقوة. أي امتلاك الدولة لحق استخدام القوة لفرض القانون. وبحسب المدارس الكلاسيكية، تقبل الشعوب بهذا الاحتكار من أجل أن تنظم السلطات الحياة، بما فيها من اقتصاد وخدمات. ما تقوله مبادرة القسام عمليا: لن نتخلى عن السيطرة العسكرية والأمنية، ولكن لا داعي ليقوم الجناح السياسي بأي مهام. (سنحتفظ باحتكار القوة لكن دون مقابل).
لو كان هذا الموقف قد تم تبنيه حقاً، وكان هناك زهد في إدارة الاقتصاد والمؤسسات والخدمات، فالأصل أن يفتح هذا الطريق لتولي ما سميّ، حكومة الوفاق الوطني، التي يرأسها رامي الحمدالله، لتولي مهامها، ولن يتكرر منع الوزراء في الضفة الغربية من مجرد زيارة وزاراتهم في غزة، كما حدث في شهر نيسان (إبريل) 2015. لكن من المستبعد جداً، أن تعني الكتائب أنها يمكن أن تقبل بسد هذه الحكومة للفراغ. فتتولى هي إدارة الوزارات، وتقديم الخدمات، وتعيين الموظفين، ودفع الرواتب، وجبي الضرائب، والسيطرة على الصادرات والواردات، ومتابعة فتح معبر رفح. 
يكفي أن تحل اللجنة الإدارية التي شكلتها "حماس" وان يتوقف تدخل مسؤولي "حماس" والقسّام في إدارة الحياة اليومية، والوزارات، حتى تكون غالبية المشكلات بين الرئاسة وحكومتها من جهة، و"حماس" في غزة من جهة أخرى، قد حلت. وبالتالي المبادرة فرصة للمصالحة، إلا إذا كانت المبادرة تتضمن فضلا عن الانسحاب من المؤسسات منع أي طرف من إدارتها بما في ذلك حكومة الوفاق. 
المعنى الفعلي للمبادرة، إ ذا تضمنت منع حكومة رام الله من العمل، هو إعلان حكم عسكري، تقوده كتائب عزالدين القسّام، دون واجبات أو أعباء مدنية أو اقتصادية، وفي مقدمة ما يجري التخلي عنه، هم الموظفون الذين عينتهم حركة "حماس"، والذين تبرز مطالب الحركة حل مشكلة تعيينهم وتثبيتهم كشرط مسبق قبل بحث أي قضية أخرى مع الحكومة في رام الله، أو مع الرئاسة الفلسطينية.    
إعلان المبادرة، لا يعكس في الواقع رغبة في استعادة المواجهة مع الاحتلال، أو التسبب بفراغ أمني، كما قيل من قبل كثير من المحللين، بل هو نوع من إعلان الاعتراف بأنّ إدارة الحياة اليومية في قطاع غزة من قبل "حماس" مستحيل، وهو يشير ضمنياً لعدم تفاؤل أو عدم موافقة على التقارب، مع مجموعة محمد دحلان، القيادي السابق في حركة "فتح"، ومع مصر، وأنّ هذا سيحل الأزمات المعيشية قريباً.

عن الغد الاردنية