نحن في خندق واحد، أردنيين وفلسطينيين دون مجاملة أو تزويق، دون فلسفة أو ادعاء، تلك هي حصيلة الموقف، ونتيجة الرؤية، والتدقيق في الحسابات، وتداخل المصالح مع المشاعر، في الماضي الذي جمعنا، والواقع المفروض علينا، وفي المستقبل الأفضل لخيارنا .
نحن في خندق واحد، أردنيين وفلسطينيين، كما نحن في البلد الواحد، عربا وغير عرب، مسلمين ومسيحيين، أثرياء وفقراء، مدنيين وفلاحين وبدوا، شرائح مختلفة من الرجال والنساء تكملة بشرية نكمل بعضنا بعضاً، لا مناص من التعددية، وهي مطلوبة هويات جغرافية، لكنات مختلفة، كما هي الحياة، في أروع صورها، هكذا خُلقنا، وسنستمر كما نحن عليه، وصولاً لما نريد، الكرامة والاكتفاء وحسن الاختيار في وطن جميل نستحقه ويستحقنا، هنا وهناك، في تراث نتميز به، تجعل منا ومن بلادنا، موضع اهتمام الشعوب وحجها الينا، لترى ما فينا، ما عندنا، من تراث وقيم ومعالم، القدس، بيت لحم، الناصرة، الخليل، المغطس والعمّاد، البترا ومأدبا ونبو، ليس لأحجارها بل بما حملت وأعطت للانسانية من عقائد ما زالت ساكنة ومحركة، رغم التطور الهائل في العلوم والثقافات والتقدم لدى الأميركيين والأوروبيين والروس واليابانيين، ولكنهم يأتون الينا، ليروا ويكتبوا ويُقدسوا، يستذكرون ما عليها وما حملته وحافظت عليه الى اليوم .
موجات من الهجرة، والطمع والاستيلاء جاءت ودمرت واستولت ورحلت من الرومان، الى الفرس والترك، الى الاستعمار الحديث، من البريطانيين والفرنسيين والايطاليين والاسبان، وهزموا وانتصر الفقراء أصحاب البلاد لأن بلادنا عصية على الخنوع والاستسلام والعبودية .
فلسطين ليست استثناء عن باقي بلاد وشعوب العرب والمسلمين والمسيحيين، والمشروع الاستعماري التوسعي الصهيوني الاسرائيلي، ليس استثناء عن تفوق الآخرين الذين أتوا واستولوا وغيروا ودمروا ورحلوا مدحورين مهزومين لسببين جوهريين :
أولهما : القمع والبطش وعدم احترام الآخر والنيل من الناس وحرمانهم من أرزاقهم وحقهم في الحياة، تجعل الناس بلا أمل بلا قيمة بلا استقرار، بلا خيار سوى طريق واحد خيار النضال والكفاح والجهاد والعمل ضد المستعمر المحتل، ضد الظلم والاضطهاد، فالعدو وأسلوبه وقوانينه واجراءاته وفرضه هو الذي يُملي على الفلسطينيين الخيار الواحد، خيار عدم التعايش معه، وعدم قبول الاحتلال، وعدم الاذعان له، وعدم التطبيع مع مؤسساته وقراراته وشخوصه وقياداته، سواء من أبناء مناطق 48، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، أو أبناء مناطق 67، أبناء الضفة والقدس والقطاع .
وثانيهما : أن هويتهم الفلسطينية والحفاظ عليها، وعروبتهم والانحياز لها، وايمانهم الاسلامي والمسيحي والقناعة المبدئية بها، هي الحافز المحرك لسلوكهم، وطنيتهم وقوميتهم ودينهم لا يقبل الاستئصال والهروب والتنازل عن الأرض والعرض، عن الوطن والتراث والقيم والعقيدة .
نضال الفلسطينيين المثلث الأضلاع، نضال تكاملي، كل منهم له طريقته وأولوياته وخياراته : 1 – أبناء مناطق 48، و 2- أنباء مناطق 67، و 3- أبناء اللاجئين والنازحين، المشردين المبعدين، وقياداتهم الخلاقة عبر منظمة التحرير ومؤسساتها وفروعها وتنظيماتها، هي التي تجمع تكاملية العمل لتصب في مجرى واحد يهدف الى تحقيق : 1 – المساواة في مناطق 48، 2- الاستقلال لمناطق 67، 3- والعودة للاجئين والنازحين .
ونحن معهم في خندق واحد، لأن ذلك يحمي أمننا الوطني، يصون الأردن واستقراره والحفاظ على هويته الوطنية، فالمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، سعى ونجح عام 1948، في رمي القضية الفلسطينية وذيولها وتبعاتها ومشاكلها الى الحضن العربي، الى لبنان وسوريا والأردن ومصر والعراق، فتحول الخلاف والصراع والعنوان الأبرز الى خلافات أردنية فلسطينية، سورية فلسطينية، لبنانية فلسطينية، الى أن نجح الرئيس الراحل ياسر عرفات على أثر الانتفاضة الأولى عام 1987 ونتائجها وتداعياتها الى اعادة العنوان الفلسطيني من المنفى الى الوطن، بعودته الى غزة وأريحا أولاً في تموز 1994، ليكون عنوان القضية والنضال والواقع هناك على أرض فلسطين، حيث لا وطن للفلسطينيين وطناً غير وطنهم فلسطين، كما هو الأردن للأردنيين وسوريا للسوريين ولبنان للبنانيين .
النضال هناك على أرض فلسطين، من أجلها وشعبها وحريتها وكرامتها واستقلالها، وانتزاع حق شعبها على أرضها في وطنهم، من براثن الاحتلال، والوحش المتمكن، والعدو المتسلط، الذي لا عدو لهم سواه، اسرائيل التي تحتل أرضهم، وتصادر حقوقهم، وتنتهك كرامتهم، فتكامل النضال ووحدة أدواته هناك على الأرض في مواجهة العدو مع التضامن الوطني والقومي والديني والانساني الأردني والعربي والاسلامي والمسيحي من خارج فلسطين، لأن في ذلك ليس فقط واجباً مفروضا علينا، بل هو حماية لأمننا، حتى لا يكون الأردن منفى لتشريد الفلسطينيين، وحتى لا نجعل من الأردن وطناً بديلاً لهم عن فلسطين، أمن الأردن ومصلحته أن يقف سداً منيعاً وظهيراً متمكناً وأملاً ورئة لدعم واسناد الشعب الفلسطيني لأن يبقى صامداً على أرض وطنه، ويعمل من على وطنه لجعل الاحتلال مكلفاً، فالصمود الفلسطيني هو الخطوة الأولى في الانتصار على العدو المتفوق تليها خطوات العمل والنضال .
الصراع الفلسطيني الاسرائيلي يقوم على مفردتين، الأرض والبشر، وقد نجح المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي في تحقيق الأولى، في احتلاله كل الأرض الفلسطينية، بسبب تفوقه، وتضامن الطوائف اليهودية المتنفذة في أوروبا وأميركا معه، واسناد البلدان الأوروبية والولايات المتحدة له، ولكنه عجز وفشل وأخفق في تحقيق الثانية وهي طرد كل الشعب الفلسطيني عن أرض وطنه، فبعد سبعين سنة من احتلال الجزء الأول من فلسطين عام 1948، وخمسين سنة من احتلال الجزء الثاني عام 1967، بقي نصف الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، أكثر من ستة ملايين عربي فلسطيني، ليسوا جالية، بل شعب يعيش وطنه يسكنه ويسكن فيه، ولا خيار ثالث له في مواجهة المشروع الاستعماري الأجنبي على أرضه .
ونحن نقف معهم، مع صمودهم ونضالهم وخياراتهم في مناطق 48، مع لجنة المتابعة بقيادة محمد بركة، مع أعضاء الكنيست ورئيس كتلتها المشتركة أيمن عودة، ومع اللجنة القطرية للمجالس المحلية ورئيسها مازن غنايم، مع نضالهم وأحزابهم وشخصياتهم ومع الأكاديميين منهم، ورجال الدين من مسلمين ومسيحيين ودروز، ومع نضال الفلسطينيين في مناطق 67 بقيادة منظمة التحرير وسلطتها الوطنية، وفصائلهم وأحزابهم وقياداتهم وخياراتهم .
الملك في فلسطين يوم 7/8/2017، رحلة عمل، ورسالة تضامن، وعنوان موقف، لأننا في خندق واحد مع الانجاز الذي تحقق للحرم القدسي الشريف حماية للأقصى وقبة الصخرة والحفاظ على اسلاميتها وقدسيتها، ورفضاً لأي شراكة أو تقسيم لها ومعها، لا زمانيا ولا مكانيا، تلك هي القضية وهي عنوان النضال لأهل القدس ومعهم شعبهم ونحن معهم .
عنجهية نتنياهو وصلفه وموقفه المشين نحو القاتل الاسرائيلي الذي ارتكب جريمة جنائية في عمان، لا خلفية سياسية لها سوى عنصريته، وعدائه للأخر، وثقافة الكراهية التي تربى عليها، وتدرب على سلوكها متحفزاً يطلق النار على من هو أمامه، بلا تردد حاملاً نظرية عنصرية استبدادية ان لم تقتل ستقتل، وهو لم يكن معرضاً للقتل من أبرياء لم يقصدوا المس به وتوجيه الأذى له .
عنجهية نتنياهو هي التي يجب محاكمتها، وعنصرية القاتل الذي رحل محاطاً بالحصانة الدبلوماسية، ولن يكون محصناً عن المطالبة بعدالة القصاص منه وله، مع القصاص لعنجهية نتنياهو وسلوكه المشين، ولثقافة الموت والكره والحقد الكامنة جواه نحو الآخر .
قضيتان، أردنية وفلسطينية، لمضمون واحد، لعدالة واحدة في مواجهة العدو الواحد، الاحتلال، الاستعمار، العنصرية، ولهذا كان الملك منا وعنا في فلسطين، عنوانا وقضية ورسالة وموقفاً، انحيازاً ودعماً لا خيار غيره، حتى يستعيد الشعب العربي الفلسطيني كامل حقوقه غير المنقوصة في المساواة والاستقلال والعودة .
صمود المقدسيين في معركة الحرم من 14 تموز الى 27 تموز، تجربة سياسية كفاحية حية جديدة، تُضاف الى سجل انتفاضة أطفال الحجارة عام 1987، التي انتصرت على اسحق رابين وأرغمته على الاعتراف بعناوين الفلسطينيين الثلاثة : بالشعب وبالمنظمة وبالحقوق، وعلى أرضية هذا الاقرار، جرى الانسحاب الاسرائيلي التدريجي المتعدد المراحل وعودة الرئيس الراحل ياسر عرفات ومعه أكثر من ثلاثمائة الف فلسطيني عادوا الى وطنهم، وولادة السلطة الوطنية كمقدمة لخطوات ثلاث : زوال الاحتلال ونيل الاستقلال وقيام الدولة .
وتضاف الى سجل الانتفاضة الثانية على أرض الوطن عام 2000، التي أرغمت شارون على الرحيل عن قطاع غزة، بعد فكفكة المستوطنات وازالة قواعد جيش الاحتلال وها هي انتفاضة الحرم الثالثة تُجبر نتنياهو على فكفكة البوابات والكاميرات والجسور وازالة الحواجز والحفاظ على الحرم القدسي الشريف بمحتوياته الاسلامية باعتباره مكاناً مقدساً للمسلمين وللمسلمين فقط أسوة بالكنيسة للمسيحيين، والكنيس لليهود، والخلوة للدروز .
صمود الفلسطينيين على أرضهم هو العنوان الأول ونضالهم المدني الجماعي الوحدوي من كل الشرائح والمكونات هو العنوان الثاني، وهو الذي يفرض علينا خارج فلسطين، من الأردنيين والعرب والمسلمين والمسيحيين كافة أن نكون معهم .
الاستقبال الذي حظي به رأس الدولة الأردنية، يستحقه، رداً للجميل من قبل قادة الشعب الفلسطيني لجلالة الملك، لأنهم يدركون معنى الرعاية للمقدسات الاسلامية والمسيحية، الرعاية المعنوية التي يتطلعون لها تضيف لبسالتهم ومواجهتهم وصمودهم وأفعالهم الكفاحية، تضيف لها معنى وعزيمة، نضالهم هو الأساس والمظلة الأردنية رافعة في مواجهة العدو المتفوق .