الحل الإقليمي.. هروباً من استحقاقات العملية التفاوضية!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

للمرة الثانية خلال شهرين، من المفترض أن يصل إلى المنطقة الوفد الأميركي الذي سيزور إضافة إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية بعض العواصم العربية، وهو يضم صهر ومستشار الرئيس غارد كوشنير، ومبعوثه إلى الشرق الأوسط جيبسون غرينبلات ونائبة مستشار الأمن القومي دينا باول، ويبدو أن هذا الوفد سيحاول الرد على ما قيل إنها «تسريبات غير دقيقة» كانت قد صدرت عن البيت الأبيض مفادها عدم ثقة الإدارة الأميركية بإمكانية التوصل إلى استئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وإشارة إلى أن الولايات المتحدة معنية ببذل جهد كبير على هذا الملف وأنها لا تزال تضعه على أولى أجندتها للسياسة الخارجية.
مهمة هذا الوفد حسب تصريح لمسؤول كبير في البيت الأبيض، تجنيد دول عربية من أجل إنجاز اختراق ـ صفقة على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، في وقت أخذت فيه القيادة الفلسطينية تعرب عن عدم رضاها عن أن الإدارة الأميركية أخذت تتراجع عن حل الدولتين، في ظل عجز هذه الإدارة عن لجم المشروع الاستيطاني الإسرائيلي الذي خلق وضعاً واقعياً يشكل عقبة أساسية أمام استئناف عملية تفاوضية من شأنها أن تقود إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
القيادة الفلسطينية لم تنتظر وصول الوفد وعقد مباحثات معها، بل استبقته بتحديد موقف واضح ودقيق من أن أية عملية تفاوضية يجب أن يسبقها تحقق أمرين: وقف الاستيطان، ومفاوضات على إقامة دولة فلسطينية مستقلة مع سقف زمني محدد، هذا الموقف الصادر عن الاجتماع الأخير للجنة التنفيذية، يشكل جدول الأعمال المرغوب فيه للاجتماع مع الوفد الأميركي المنتظر!
ومن الواضح في هذا السياق، أن القيادة الفلسطينية التي بدأت تشك في قدرة الإدارة الأميركية على الضغط على الجانب الإسرائيلي من أجل الاستجابة لمتطلبات أية عملية تفاوضية ناجحة، فإنها ملتزمة بحل الدولتين من ناحية وتطالب إدارة ترامب بالتمسك بهذا الحل بدلاً من «التجريب» والتهرب من استحقاقات هذا الحل الذي أخذ يشق طريقه في ملفات السياسة الدولية، والذي تتبناه الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والمنظومة العربية، وأن تراجع الإدارة الأميركية عنه إنما يدفع بإدارة نتنياهو إلى التملص من استحقاقاته، ما يشير إلى أن واشنطن لا يمكن لها والحال هذه أن تشكل وسيطاً نزيهاً يرعى عملية تفاوضية تؤدي إلى حل يُفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
تدرك القيادة الفلسطينية أن الظروف التي تخضع لها إدارة ترامب الداخلية والخارجية على حد سواء، تجعلها عاجزة، حتى لو أرادت (!) عن تحقيق أي دفع إلى استئناف عملية تفاوضية، إضافة ـ بطبيعة الحال ـ إلى ارتباك القيادة الإسرائيلية التي تخضع عَبر رئيس الحكومة إلى تحقيقات على خلفية ملفات فساد وفضائح، ما يجعل أجندة العملية التفاوضية تتخلف عن سُلَّم الأولويات، علماً أن إدارة نتنياهو لم تكن في أي وقت من الأوقات، بصرف النظر عن ظروفها المستجدة، تضع هذه العملية على سُلَّم الأولويات إلاّ باعتباره حراكاً من شأنه التغطية على البرنامج الاستيطاني الذي تتوحد حكومة الاحتلال من حوله، بخلاف العملية التفاوضية التي هي محور انقسامات داخل الائتلاف الحكومي.
وبينما تطالب إدارة ترامب، وفقاً لتصريحات صادرة عن أعضاء الوفد الأميركي، بمباحثات ثنائية مباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فإن جولة هذا الوفد في عواصم عربية من أجل دعم الجهد الأميركي لمؤتمر إقليمي حول الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، من وجهة نظر فلسطينية، يعتبر التفافاً على استحقاقات العملية التفاوضية التي يجب أن تشكل جوهر كل الجهود بهذا الشأن، وأن أي مؤتمر إقليمي من دون تراجع الجانب الإسرائيلي عن ملفه الاستيطاني، وبدون جدول أعمال زمني محدد، سيبقى دون الحد الأدنى المطلوب لنجاح هذا الجهد وهذه العملية، إذ يجب أن تكرس كل الجهود من أجل وضع الخطط والإستراتيجيات المناسبة قبل الحديث عن أي مؤتمر ربما يشكل تراجعاً عن حل الدولتين، وضغطاً على الجانب الفلسطيني من أجل الاستجابة لاشتراطات من شأنها التنازل عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، الأمر الذي رفض تماماً من قبل المؤسسة القيادية الفلسطينية!