المتوكل طه " المُهاجرُ في وطنه "

 المتوكل طه " المُهاجرُ في وطنه "
حجم الخط

"أغْرَبُ الغرباء مَن صار غريباً في وطنه.. سِرُّه عَلَنْ وخوفهُ وَطَن "

********

في أيِّ طيفٍ سوف تفردُ خيمةَ الرّعَويِّ

في هذي السّهولِ ،

أو الجبالِ الشاهقاتِ ؟

وأين تغفو وسطَ هذا القيظِ

والثلجِ الكثيفِ ،

وكيف تخفي سيفَكَ الممدودَ ،

حين تُقَبِّلُ امرأةً تُغنَّي وحدَها

حولَ القطيعِ ..

ومَن سيأتي في الليالي ،

والكلابُ بلا نباحٍ ..

لا مسالكَ للضيوفِ !

وهل يفيضُ حليبُكَ الدُرّيُّ

من بين الأصابعِ ،

في الربيعِ ؟

وربّما تنسى مواويلَ الرحيلِ

على المراعي ،

إنْ تذكَّر قلبُكَ المعقوصُ أعشاشَ الطيورِ !

وسوف تبحثُ عن كلامٍ من هواءٍ ..

أو ستحملُ ماءَكَ النّهريَّ ..

في بعض الجِرار .

***

أنتَ المُؤَقَّتُ والمُقَسَّمُ ،

مثل بطّيخِ المواسمِ ،

في براري الحاكمين !!

وسوف ترقبُكَ الذئابُ إذا خرجتَ

من احتِقانِ مُربَّعِ الصيَّادِ ..

فاكتُبْ ما تشاء ..

فلن ترى ، مثلي ، المجرّاتِ البعيدةَ ..

إنّما تتغيّر الأحوالُ ..

والدّنيا يُداوِلُها الزمانُ ..

و ثمةَ الأحلامُ ..لا تغفو !

ستبقى خلفَ أسلاكِ الحرامِ ،

وثَمَّ كَفٌّ تطرقُ البابَ العنيدَ ،

وإنّني من فوقِ هذه الوَحْشةِ الخرساء ،

في كلِّ الذُّرى الجرداء ..

ألمحُ غيمةً تمتدُّ في كلِّ البلادِ ..

فلا عليكَ ولا عليَّ

ولا على هذا المُشرَّدِ .. إنْ تعثَّرَ بالطريقِ ..

فسوف ينكسرُ الجدار .

***

إذا التقى القلبان ؛

ينكسرُ الصّدى في النّبضِ ،

تعلو رفَّةُ العينين ،

تنغلقُ الشفاهُ على حريرِ الصّمتِ ،

يمشى نهرُ موسيقى إلى الجسدين ،

ترتبكُ الحواسُ

ولا فرار .. ولا فرار ..

فأين تَلقى دولةً للزَّوجِ

والأولادِ

و الجيرانِ ..

في هذا المدار ؟

***

أَوَّبْتَ مثل عواصفِ المطرِ العنيفِ ،

زرعتَ بعضَ حقولِكَ الصفراء

بالورقِ الخفيفِ

وبالحبوبِ

وبعضِ أشتالِ الخضار ..

وأَوْقَدوا كَبْشاً ليومِ العيدِ ،

قاموا ،

واستباحوا آخرَ المِخيال ،

صبّوا ألفَ كأسٍ للأهازيجِ الرّهيفةِ ،

زَوَّجوا بنتَ الإلهِ لسيّد الفرسانِ ،

ناموا .. والوسائدُ من نبيذِ المشمشِ الجبليِّ ،

واجتمعَ الرجالُ ،

وغابَ أكثرُهُم .. هناكَ ،

ولم يعودوا !

أغلقوا وجهَ الحدودِ ..

ولم تزل كلُّ العشيرةِ بالجهاتِ الستِّ ،

والبلدُ المُوَزَّعُ لا يزال مبعثراً في الرّيحِ ..

فاجْمَعْ خيمةَ الأجدادِ ،

وارفَعْ فوقَها جُرْحَ النّبيِّ ،

لكي يعودوا للغناءِ وللدّيار .

ولا تَقُلْ : كيفَ السبيل ؟!

فأنتَ مَنْ فتحَ السماءَ

على مصاريعِ النجومِ ،

وأنتَ مَنْ لَبسَ الرّياحَ

على قميصِ المُعجزاتِ ،

.. وأنتَ مَن أخذَ القرار !