كأنهم مقيمون في المنطقة، لا تغيب أقدامهم حتى تطل رؤوسهم ولكن ليس دون جدوى.
السؤال عن جدوى الزيارة المقبلة التي يستعد للقيام بها كل من جاريد كوشنير، وجيسون غرينبلات على اعتبار أنهما مبعوثا الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط.
الجولة هذه المرة، واسعة وتشمل بالإضافة إلى رام الله وتل أبيب كلاً من القاهرة وعمان والرياض وأبو ظبي، وهي عواصم الرباعية العربية، وعملياً هي العواصم الأكثر فعالية في الظروف الراهنة.
الجولة محكوم عليها بالفشل مسبقاً، وفقاً لتقييم فلسطيني، ولكنها قد تحمل نجاحاً وفقاً لتقييم إسرائيلي.
ما يدعونا للحكم على هذه الجولة هو أن الظروف التي تجرى فيها هذه الزيارة، محكومة لعدة عوامل ومواقف، لا تشجع على التفاؤل بشأن أهدافها.
أول هذه العوامل، هو أن الإدارة الأميركية تنشغل في قضايا تنطوي على خطورة بالغة حذر منها وزير الخارجية الألماني ويحذر من عواقبها الكثير من المراقبين والسياسيين.
تفتح الإدارة الأميركية بوابات جهنم، بما يهدد باشتباك نووي مع كوريا الشمالية، على خلفية تجاربها النووية والصاروخية. اللغة التي يستخدمها الرئيس ترامب للتعبير عن غضبه من كوريا الشمالية، لا تليق برئيس دولة.
إدارة ترامب لا تكتفي بذلك بل فتحت جبهة أخرى على فنزويلا، وتهدد بالقيام بعمل عسكري ضدها وقبلها دخلت في مشكلة مع المكسيك وكوبا فضلاً عن أزمتها مع روسيا، ومع إيران.
دقيق الوصف الذي أطلقه البعض على الإدارة الأميركية ويقول إن أميركا أصبحت دولة خطرة، يخشاها حتى حلفاؤها الأوروبيون.
يحصل ذلك، والإدارة ذاتها لم تستقر بعد، فلقد جرت إقالة واستقالة عدد من موظفيها الكبار، فيما تتعرض لاتهامات وملاحقات قضائية على خلفية شبهة علاقة البعض بروسيا، وتدخلها في الانتخابات الرئاسية التي حملت ترامب إلى رأس الإدارة.
أما فيما يتعلق بموضوع «الصفقة التاريخية» التي تحدث عنها مراراً الرئيس ترامب بشأن الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، فإن المؤشرات الصادرة عن إدارة ترامب تفيد بأن هذه الإدارة لن تكون أفضل من سابقاتها.
ترامب كان قد قال إن حل الدولتين قد لا يكون هو الحل الممكن والوحيد، ثم أطلق تصريحاته بشأن نقل السفارة إلى القدس، وبعد أن قال إن الولايات المتحدة ستنخرط أكثر في المفاوضات وعَبر آليات مختلفة عن السابقة عاد ترامب ليقول إنه لا مجال للحل سوى عَبر مفاوضات ثنائية.
يعتقد الرئيس ترامب أن نجاحه في إبرام صفقات تجارية صعبة يمتلك الكثير من المليارات، يمكن أن يساعده في تحقيق نجاح إزاء واحد من أعقد الملفات والأزمات الدولية، ونقصد الملف الفلسطيني الإسرائيلي لكنه يحتاج إلى ثمانية أشهر حتى يعتقد أن الأمور ليست على هذه الدرجة من البساطة.
خلاصة العامل الأول، هو أن من يرسل المندوبين لمعالجة ملف معقّد، هو نفسه يعاني من أزمة بل أزمات داخلية، على مستوى الإدارة والمجتمع، وعلى مستوى علاقاته الدولية، فكيف له أن يحل أزمة، وهو بحاجة إلى حل أزماته أولاً حتى يكون جديراً بحل أزمات الآخرين؟
العامل الثاني يتعلق بإسرائيل، من حيث إنها تواصل التمسك بمخططاتها وسياساتها التوسعية والاستيطانية، التي تخلو من الحد الأدنى من الرغبة في خوض مفاوضات على أساس رؤية الدولتين.
إسرائيل تتمسك بالحل الاقتصادي والإقليمي الذي يسعى للفوز بتطبيع العلاقات مع الدول العربية، دون ثمن في موضوع الحقوق الفلسطينية.
الحل الذي تعمل عليه إسرائيل، ينطوي على تهديد استراتيجي للحقوق الفلسطينية، وللنظام والمجتمع الأردني، وليس مستبعد أن تعود إسرائيل للحديث العلني قريباً عن الوطن البديل.
تترك هذه السياسة مخاوف حقيقية لدى القيادتين الأردنية والفلسطينية ما يقف خلف زيارة الملك عبد الله الأخيرة لرام الله، والتوافق حول كيفية خوض مجابهة مشتركة للسياسة الإسرائيلية.
فضلاً عن ذلك، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يتعرض لأزمة قد تطيح به، وتنتهي به إلى السجن، وبالتالي هو غير مؤهل للتعاطي الإيجابي، إن كان هناك ما هو إيجابي في تحرك المبعوثين الأميركيين.
نتنياهو الذي يتعرض لملاحقات قضائية هو وعائلته على خلفية قضايا فساد، قد يذهب إلى خيارات مجنونة هرباً من هذه الملاحقة، خصوصاً وأن المجتمع الإسرائيلي بدأ يتحرك مطالباً باستقالته.
أما العامل الثالث، فيتعلق بحالة القيادة الفلسطينية التي تشعر بالإحباط، وبدأت تقدم رسائل مواجهة للشروط والضغوط الأميركية، فضلاً عن أن استمرار الانقسام، لا يزال يشكل عامل ضعف للسياسة الفلسطينية الرسمية.
علاقات داخلية مأزومة وعلاقات مع عدد من الدول العربية مأزومة، هذه هي حال السياسة الرسمية الفلسطينية.
وفي الأخير، فإن الوضع العربي بالجملة يعاني من أزمات، ويعمل على أولويات، بعيدة عن أن تكون القضية الفلسطينية ضمنها.
إذا كل الظروف لا تسمح بالتفاؤل إزاء إمكانية تغيير واقع العلاقات المتوترة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو أن تؤدي زيارات المبعوثيْن الأميركييْن للمنطقة، إلى إحياء الأمل في إنجاح عملية سلام معقولة ومقبولة من قبل الفلسطينيين.
كيف لم يعرفوا، كيف لم يمنعوا ، كيف لم يخجلوا ؟!
08 أكتوبر 2024