أسئلة أولية عن قضايا جوهرية ...

عوكل
حجم الخط

01 حزيران 2015

الحديث عن أزمة مالية تمر بها حركة الجهاد الإسلامي، وعن خلافات داخل الحركة تصل إلى حد وصفها بانشقاق، هذا الحديث من وجهة نظري لا ينطوي على دوافع النيل من هذه الحركة الإسلامية الوطنية الفلسطينية المجاهدة.
قبل أن يتحدث القيادي في الحركة الدكتور محمد الهندي إلى قناة الأقصى وكان فيه بعض الوضوح، والمباشرة، آثرت قيادات الحركة معالجة ملف الأزمة المالية، وتوقف إيران عن تقديم الدعم المالي للحركة، أن تكون تصريحاتها غامضة، وتتبع دبلوماسية عالية، حتى لا تسيء لأي طرف، خصوصاً إيران، ولكن حتى تترك لنفسها المجال لإمكانية معالجة هذه الأزمة ومن يقف وراءها.
بعض القيادات، ويتبعهم بعض السياسيين يتحدثون عن أن سبب توقف الدعم الإيراني لحركة الجهاد، يعود إلى ثقل الأعباء المالية، التي تتحملها إيران بعد انفجار الملف اليمني، وأن ثمة مراجعة للأولويات بالنسبة للسياسة الإيرانية.
يفترض هؤلاء أن الأزمة مؤقتة، وان مسألة توقف الدعم المالي لحركة الجهاد ليست سوى بضعة اشهر قليلة ثم ما تلبث إيران أن تعيد تقديم الدعم للحركة.
قد يكون هذا التبرير صحيحاً، ولكن لا يجوز إهمال السؤال الآخر الذي يتصل بجوهر الخطاب السياسي الإيراني، الذي يتأسس منذ فترة طويلة على العداء المطلق لإسرائيل، والدعم المطلق للمقاومة، وإذا ما كانت إيران بصدد تغيير أولوياتها السياسية على المستوى الخارجي، والإقليمي على وجه الخصوص.
حديث الدكتور الهندي لقناة الأقصى تناول قضيتين أساسيتين: الأولى، تتصل بأسباب الأزمة التي تعاني منها الحركة، والثانية تتصل بتداعيات هذه الأزمة على وحدة الحركة.
بالنسبة للقضية الأولى، يفهم من كلام الهندي أن سبب انقطاع الدعم الإيراني، سياسي، ذلك أنه يقول إن الحركة تفضل عدم التفوه بأية كلمة إزاء الصراعات الجارية، وان بوصلتها وعلاقاتها تقوم على اولوية مقاومة الاحتلال الصهيوني ثم ينهي بأن العلاقة مع إيران يسودها الاحترام المتبادل.
لا يسعف الهندي، ولا كل المتدخلين على خط الأزمة المالية التي تمر بها حركة الجهاد، أن يقال إن أزمة الجهاد هي جزء من أزمة الشعب الفلسطيني في غزة الذي يعاني الحصار، ولا أن يقال إنها جزء من الأزمة المالية التي تعاني منها كل الأطراف الفلسطينية. 
ما تعاني منه الأطراف الفلسطينية الأخرى، معروفة أسبابه، لكن الغامض وغير المعروف باليقين المطلوب هو لماذا تعاني الحركة من أزمة مالية، بعد موقفها من الملف اليمني وقبل فترة وجيزة من إمكانية توقيع اتفاق نهائي بين إيران والخمسة زائد واحد بشأن الملف النووي الإيراني؟
الخشية، تكمن في أن تكون دوافع وقف إيران دعمها المالي لحركة الجهاد، دوافع سياسية دراماتيكية، تكشف عن طبيعة التحولات الجارية في السياسة الإيرانية تجاه إسرائيل والمقاومة، ونحو تغيير أولوياتها، بما ينسجم مع تطلعاتها الإقليمية تجاه المنطقة، خصوصاً بعد أن أصبحت تتمتع بنفوذ يصل حد السيطرة على العراق وسورية ولبنان واليمن، ما يشجعها على المواصلة بنكهة تحالفات ذات أبعاد طائفية.
قد يستمر الجدل والغموض بشأن الإجابة عن هذا السؤال، لكن الأمر لن يطول كثيراً، حتى تتضح كامل أبعاده، خاصة أن حركة الجهاد هي محض حركة مقاومة، لا تنطوي على شبهة اتخاذ مواقف وسياسات تتعاطى مع الخطاب الإيراني المعلن منذ زمن طويل.
هنا علينا أن نشير إلى خطأ ارتكبته ونتمنى أن لا تكون الحركة قد ارتكبته بحق نفسها، إذ لم تنتبه قياداتها مسبقاً للتحوط والاستدراك، لوقوع مثل هذه الأزمة، وهو خطأ سبق أن وقعت فيه بعض منظمات اليسار الفلسطيني، التي لم تحسب حساب القرش الأبيض لليوم الأسود.
أما فيما يتعلق بالقضية الثانية وهي أولى تداعيات وإرهاصات الأزمة المالية، يناقض الدكتور الهندي نفسه في اللقاء ذاته حين يقول إن الحركة موحدة، وفي مقام آخر يُحمِّل حركة حماس المسؤولية عن انشقاق في الحركة.
ليس مخجلاً البتة أن تعترف قيادة الحركة بما تمر به من أزمات ومشكلات، خصوصاً وأن الأيام القريبة ستكشف عن طبيعة هذه الأزمات، ولكن الكلام ينطوي مرة أخرى على قدر من الغموض. 
ما معنى أن حركة حماس تتحمل المسؤولية إزاء انشقاق في الحركة، وهل يكفي القول إن سبب هذا التحذير هو أن حماس هي التي تسيطر على قطاع غزة؟
في الواقع فإن هذا التحذير قد يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك والسؤال الجوهري هو هل تتعمد حركة حماس التدخل في الشؤون الداخلية للجهاد، وهل تحرض على مثل هذا الانشقاق وترعى المنشقين؟ السؤال ليس غريباً بالمطلق ذلك أن المنطق الطبيعي يشير إلى تنافس موجود بين الحركات والأحزاب ذات التوجه الأيديولوجي الواحد، وان كلاً منها يجتهد لأن تكون هي وحدها من يمثل هذا الاتجاه الفكري أو ذاك في الاطار الوطني.