الحزب الديمقراطي الأميركي وفلسطين.. تحولات مهمة!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

يعكف الكونغرس الأميركي على نقاش مشروعي قانون، حول إسرائيل، من هذه النقاشات يتبين أن هناك بعض ملامح تراجع أقطاب في الحزب الديمقراطي عن دعم إسرائيل، المشروعان هما: فرض عقوبات على أي مواطن أميركي يشارك في فعاليات المقاطعة ضد إسرائيل والتي تمثلها منظمة «بي. دي. اس» وبفرض غرامات باهظة بقيمة مليون دولار، إضافة إلى السجن عشرين عاماً، أما الثاني فيرمي إلى منع السلطة الوطنية الفلسطينية من دفع المستحقات المالية للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ثلاثة نواب كبار من الحزب الديمقراطي قادوا الحملة ضد هذين المشروعين، خاصة أن أحد أو كل هؤلاء الثلاثة مرشحون محتملون لانتخابات الرئاسة الأميركية القادمة، الأمر الذي يشير إلى أن هناك تحولاً قد يكون أولياً تجاه رؤية الحزب الديمقراطي للدولة العبرية، مقارنة مع الحزب الجمهوري، حيث أشار أحد آخر استطلاعات الرأي أن 33 بالمئة من أعضاء الحزب الديمقراطي يؤيدون إسرائيل، بينما بلغت هذه النسبة لدى الحزب الجمهوري 74 في المئة.
العضو في الحزب الديمقراطي السيناتور اليزابيث وورن، كما كريستين غيلبراند، بررتا موقفهما بأن تأييد مشروعي القانون يتناقض مع ما جاء في الدستور الأميركي حول حرية الرأي والتعبير، وأيدهما العضو الثالث في ذلك، وهو النائب كوري بوكر، علماً أن الثانية، غيلبراند كانت قد أيدت في البداية المشروعين، إلاّ أنها تراجعت عن ذلك إثر انتقادات تلقتها من عدد من منظمات وأحزاب اليسار في الولايات المتحدة، وكذلك المنظمات الأميركية المؤيدة للمقاطعة مثل منظمة «صوت يهودي من أجل السلام» و»الانتفاضة الالكترونية».
وبالعودة إلى الوراء، أواخر عام 2012، فإن الحزب الديمقراطي أعاد صياغة برنامجه بإجراء تعديلات عليه، كانت تشير في البرنامج السابق الى أن القدس عاصمة إسرائيل، إلاّ أنه تم حذف هذه العبارة في الصياغة الجديدة، مع أن هذه «المراجعة» توازت مع تأكيد الحزب على التزام راسخ بأمن إسرائيل، والتزام إدارة اوباما بدفع عشرات مليارات دولار خلال سنوات ثلاث بهدف دعم نظام الدفاع الصاروخي ـ القبة الحديدية ـ إلاّ أن هذه المراجعة فسرت تخلي برنامج الحزب عن أن القدس عاصمة إسرائيل، بأن الأمر يعود إلى اتفاقات من خلال مفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، يتحدد من خلالها وضع المدينة المقدسة، وبحيث تبقى مدينة غير مقسمة يصل إليها الناس من كل الأديان!
قبل شهر تقريباً، وفي مؤتمر الحزب الديمقراطي لولاية كاليفورنيا، اتخذ قراراً يدعو من خلاله الإدارة الأميركية إلى «تعزيز السلام العادل على أساس المساواة الكاملة والأمن لليهود الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء، وفق حقوق الإنسان والقانون الدولي، المهم في هذا السياق، أن هذا القرار تمت الموافقة عليه بإجماع مئتي عضو، هم كل أعضاء مؤتمر كاليفورنيا، ما يشير إلى أن هناك تحولاً ملحوظاً، ينبغي البناء عليه، في إطار موقف الحزب الديمقراطي من المسألة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، خاصة وأن إحدى الناشطات في الحزب الديمقراطي استي شاندلر، فسرت ما يحدث بأن عدداً من اليهود الديمقراطيين باتوا أكثر سخطاً وانتقاداً للسياسات الإسرائيلية، وهو تحول يعكس الشعور بالجزع من السياسات المتطرفة التي تتبناها حكومة نتنياهو!
يقولون في الولايات المتحدة، إن إسرائيل وتحالفاتها في أميركا، يؤيدون الحزب الديمقراطي في الانتخابات، لكنهم يرغبون في أن يصل رئيس جمهوري إلى البيت الأبيض، والواقع أننا نبني انطباعنا عن مواقف الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بناءً على مواقفهما أثناء الحملات الانتخابية للرئاسة كما لمجلسي النواب والشيوخ، ونعتقد أن مواقفهما في اطار هذه الحملات ذات الطبيعة الانتخابية المتعلقة بالأفراد النواب أو مرشحي الرئاسة، لا تعكس بالضبط، موقف كل حزب من المسألة الفلسطينية، نظراً للطبيعة التسويقية والتبشيرية لهذه المواقف أكثر منها موقفاً صارماً من الحزب، خاصة وأن الطابع التنظيمي لكل من الحزبين، يتسم بالمرونة الواسعة وحرية الأفراد في تبني مواقف قد لا تنطبق بالضرورة الحرفية مع مواقف الحزب الأساسية.
وبطبيعة الحال، فإن هذه التحولات، تظل محدودة رغم أهميتها، وهذه مجرد مؤشرات داخلية في الأساس، قد لا تعكس في نهاية الأمر، موقفاً مركزياً من قبل الحزب الديمقراطي، بقدر ما توحي بأن هناك جملة من المتغيرات والمواقف، ساعدت السياسة الإسرائيلية بالدرجة الأولى، إضافة إلى جملة من الأنشطة والتحركات، على مثل هذا التغيير المحدود رغم أهميته، وأن تغييراً حقيقياً قد يكون بعيد المنال، بالنظر إلى سطوة وتأثير المجمعات السياسية والاجتماعية الإسرائيلية واليهودية، ذات التأثير على مصالح الأفراد والأعضاء، إلاّ أن من شأن هذه المؤشرات أن تدفع بالجانب الفلسطيني تحديداً، والمنظومة العربية، وكل أحرار العالم، للعمل على تحويل هذه المؤشرات إلى مواقف ثابتة داعمة للقضية الوطنية الفلسطينية وعدم الاتكال على متغيرات داخلية، والتي بدورها تخضع لشروط سياسية واجتماعية ومصالح الأفراد في نهاية الأمر، وعليه فإن ذلك يتطلب تطويراً في أدواتنا ومستوى تأثيرنا، فلسطينياً وعربياً أكثر من أي وقت مضى لإحداث مثل هذه المتغيرات الجوهرية!