اكتب يا استاذ!
- ..............
لا مني "العنّاب" ابن خالتي شفيق كامل مزارع نشيط من بيت دقو، على نشر تصريح وزير الزراعة بمنع استيراد العنب على صفحتي في الفيس بوك قبل أسبوعين. أما سبب اللوم فهو لأن العنب الإسرائيلي يملأ سوق البيرة المركزي.
عندما نشرت تصريح الوزير المنقول عن وكالة معا، كان مقصدي هو إدخال البهجة على مزارعي العنب في بيت دقو، كأشهر قرية في القدس ورام الله تنتج العنب، الذي ينضج في بداية آب، ومزارعي العنب في جبل الخليل الذي ينضج بعد العنب الدقاوي، لسبب برودة الجبال هناك.
العدل والعقلانية والحكمة والبحث، والحياة، طبعا والصحافة بشكل خاص، علمتني وعمقت فيّ التقصي، خصوصا عند نية النشرّ، وهكذا وجدت نفسي أخصص وقتا للتجول في سوقها المركزي، المنسوب للبيرة بسبب الموقع المتوسط بينهما؛ فإذا بالعنب الإسرائيلي قد احتلّ معظم طاولات البيع وبسطات الباعة. وللأسف لم أجد سوى القليل من العنب البلدي، الذي لم يتم اختياره من الفئة ذات الجودة، مما يجعل المتسوق يشتري العنب الوافد.
سعر كيلو العنب الإسرائيلي يتراوح بين 7 شواقل وعشرة، أحيانا يهبد السعر الى 5، وأحيانا إلى أقل من ذلك آخر النهار، لكنه بشكل عام مرتفع.
كانت نية وزير الزراعة طيبة ووطنية، بأن يتم إيقاف الاستيراد من الخارج، لمنح الفرصة للدقاقوة أمثالي وغيرهم في الخليل وهم كثر بطاقات إنتاجية أعلى، لبيع عنبهم في أسواقنا ومنحنا الأولوية. هنا تساءلت لماذا إذن ما أرى من عنب وافد؟
كنت سأحمل نفسي، احتراما للتقاليد الصحفية لإلقاء السؤال على الوزير، لكنني زهدت في ذلك، لأن السبب لا يكمن في الصدق، لأننا نثق بصدقه. السبب إذن يكمن في الإجراءات والمتابعة، والتوعية، التي لا تستطيع وزارة الزراعة القيام بهذا العبء، إنها مسؤولية المجتمع والحكومة معا، ونؤكد على المجتمع ووعيه اقتصاديا وووطنيا وصحيا:
- اقتصاديا، عنبنا أرخص، لأن الكيلو يباع من 3 الى 4 شيكل.
- وطنيا، استمرار اخضرار وجه ارضنا ودعم المزارعين خصوصا في مناطق "جيم" المهددة بالاستيطان. وتشجيع المزارعين وأبنائهم على البقاء، وعدم الهجرة إلى المدن المكتظة بالعمال. لقد حمت الأشجار أرض الفلاحين حين تقدمت أغصانها تقاتل، الى درجة أن الاحتلال اضطر لاحترام كروم العنب، فلم يجرفها..كما جعلته أشجار الزيتون مترددا وخائفا؛ فأية فضيحة هذه في عصر الثقافة الخضراء في العالم!
- صحيا: أثبتت الأبحاث أن المنتوجات البلدية غير المعالجة أفضل من غيرها، وهي تباع في الخارج بسعر مضاعف، مثال ذلك الفواكه والخضار في الامارات العربية، كمثال حقيقي تم التأكد منه.
ما بين أيدينا ونستطيع فعله:
- إدارة الجمارك، من المفروض أن تتابع دخول العنب الإسرائيلي في هذه الفرة التي حددها معالي وزير الزراعة، باعتبار أنه يمثّل الحكومة.
- بلدية رام الله، بدلا من ملاحقة الباعة على البسطات، عليها إيجاد طرية ذكية تسمح من جهة ببيع العنب، دون أن التأثير السلبي على حرة المارة والسيارات؛ فالمنع الأخير أثّر سلبا على بيعنا للعنب، حيث أن الباعة صاروا يترددون بل ويحجمون عن الشراء، لأنهم ممنوعون من التبسيط. وطبعا السوق المركزي ضيّق، وعادة يتم بيع العنب خلال شهرين في السوق وخارجه أكثر.
- مسؤوليتنا مشتركة، ونحن كمزارعين نتحمل جزءا منها، وهو التأكد من جودة المنتوج الذي نبيعه جملة، لأن الباعة سيبيعون "بالمفرق"، ولن يكون التنافس في صالح العنب البلدي إن كان غير جيد. أيضا علينا الاستجابة لرغبات المستهلكين من العنب الابيض والدابوقي الذي صاروا يفضلونه على العنب البيتوني الاسود صاحب الشهرة، والذي ظل لسنوات الأغلى سعرا.
- المستهلون/ات: قبل عام لمتهم/ن على سوء اختيارهم للعنب "المهرمن" وترك العنب البلدي، واليوم أكرر ذلك، لنفكّر وطنيا وإنسانيا، نستطيع أن نفعل شيئا لأنفسنا وللوطن. وما ينطبق على العنب ينطبق على باقي المنتوجات. علينا أن نحدث التغيير لا أن نظل متحدثين عنه كشعارات موسمية، وقتها لا حاجة للحديث عن المقاطعة.
نحن نلوم ونعاتب ونسائل فيما بين أيدينا..
العنب العنب!
العنوان اسلوب الترغيب او الإغراء، للتأكيد على هدف مشترك يحقق لنا جميعا المصلحة: المزارع والتاجر وأصحاب سيارت النقل، والمستهلك، حتى البلدية ستستفيد لأن لها نسبة من البيع.
نحن مزارعون لا تجار، وظيفتنا العناية بالشجر وقطف الثمار وبيعه بالجملة. ف"العنّاب" لغة هو بائع العنب، لا مزارعه، الان صرنا مزارعين وباعة نقف طوال النهار، فمتى سنتفرغ للشجر؟
أقلب فيديوهات اليوتيوب، فيتكرر ظهور أغاني العنب، من شادية في أغنية عنب بلدنا، إلى العنب العنب لسعد الصغيّر.
أكتب وأسستمع لأغاني العنب وآكله كإفطار شهي مع الخبز كما كان الآباء والأمهات والأجداد والجدات يفعلون:
أختار من أغنية العنب لسعد الصغيّر، ربما لتشابه في العنوان، وهدفنا في الترويج..وإغراء المواطنين لشرائه.
العنب العنب العنب
احمر واصفر احمر واصفر
احمر وزي اللوز
واطعم ياناس م الموز
لكن صعب أن ينافس عنبنا عنب وفواكه الفنانة دينا الراقصة في الفيديو!
- اكتب يا فلان!
- .............
أعود لقراءة قصيدة "يا عنب الخليل" لعز الدين المناصرة، لعلها الأروع حتى الآن فيما قيل عن العنب فأقرا:
"سُكّراً كبياض خليليةٍ مثل شمس تغار من الشمسِ،
كي لا تغار من الورد، من حمرة الوجنتينِ،
ولين القوامْ.
عنبٌ دابوقيٌّ كرحيق النحل على يافطةٍ بيضاء"
فأغير ظني، بعد هذا الشعر، فمن يقرأه سيقبل على عنبنا أكثر من الفواكه التي في فيدية سعد الصغّر!
أبتسم..وأتمنى أن تسجع الجامعات بحوثا عن المنتوجات الزراعية، بما فيها البحث الادبي والفني: كيف ظهر العنب في الادب والفنون؟
أعود لشادية للمرة الألف:
لا والله ان مااسمريت يا عنب بلدنا لاجرى واندهلك عيال بلدنا .... والله
اسمر وطيب يا عنب يابو أمر غريب .... يا عنب
ونقطفوك .... ونخطفوك ونحضنوك حتى لو تسمر الجلاليب
اتجدعن بس انت ويالا اسمر وطيب .... يا عنب
- اكتب يا عمي!
- .............
محمود ابن أخي يشجعني على الكتابة، فأغني له عن العنب شيئا..
نستمتع ما بين التغزل في الشعر والغناء، ورمزية العنب فيها، ونستمتع بطعمه:
"عنبٌ دابوقيٌّ كرحيق النحل على يافطةٍ بيضاء"..
لكننا نتعب كثيرا وقوفا أو جلوسا، كان من الممكن أن يكون حالنا أكثر سهولة..دعونا نظل مزارعين لنزيد من المساحات الخضراء ونبقى..
Ytahseen2001@yahoo.com