مسؤولياتنا في مناطق «ب» و «ج»

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

حضرت أمس مؤتمراً نظمه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، بالتعاون مع وزارة الداخلية تحت عنوان من بحاجة  للأمن؟: الاحتياجات الأمنية الفلسطينية في مناطق «ب» و»ج»، وكان النقاش يتركز حول ست أوراق بحثية تناولت شتى المواضيع ذات الصِّلة. وأثار النقاش في الواقع أسئلة اكبر من القضايا المطروحة في الأوراق .
هذا المؤتمر فتح ملف «أوسلو» بكل ما له وما عليه، وخاصة الملف السياسي وهو ليس متضمناً بصورة كبيرة في الأوراق البحثية، التي أريد لها ان تتحدث اكثر عن الأمور الفنية والإجرائية والمتخصصة. وفي الواقع هناك أسئلة حيوية لابد من إثارتها في هذه المرحلة التي وصلنا فيها الى طريق مسدود في العملية السياسية: هل نحتكم الى مرجعية «أوسلو»، خصوصاً الجوانب التي لم تطبق منه مثل تنفيذ النبضة الثالثة من الانسحاب او اعادة الانتشار كما يسمونها، ووضع غالبية مناطق «ج» تحت ولاية السلطة الوطنية المدنية، وهذا يشمل وجود شرطة مدنية وحفظ الأمن داخل التجمعات الفلسطينية، بما يشمل استغلال الموارد في هذه المناطق وخلق مشاريع إنتاجية توفر فرص عمل وحياة أفضل للفلسطينيين؟ ام ان على الفلسطينيين تجاوز «أوسلو « والبحث عن طرق وبدائل اخرى؟
ما تقوم به سلطات الاحتلال بخصوص مناطق «ب» و»ج» هو تحميل السلطة الفلسطينية المسؤولية الأمنية عما يجري هناك مع عدم تمكينها فعلياً من القيام بواجب الحفاظ على الأمن، وعملياً تحولت هذه المناطق الى  بؤر وملاذات للمجرمين والهاربين من وجه العدالة، وانتشرت فيها الجريمة بشكل واسع من التجار بمخدرات او سيارات مسروقة او بضائع مسروقة اخرى، باختصار تحولت الى عبء كبير على المجتمع والمؤسسة. وإسرائيل تعي ما يحدث وتخطط وتسعى لمزيد من التدهور في هذه المناطق وخاصة في المناطق التابعة للقدس وتقع خلف الجدار في الجانب الفلسطيني منه.
وفي الواقع لا توجد استراتيجية وطنية للتعامل مع هذه المناطق، وكل ما تقوم به السلطة هو في إطار ما تسمح به اسرائيل. فلا نحن نعمل على الزام اسرائيل بالاتفاق وبالذات المرتبط بالانسحاب وصلاحيات وولاية السلطة، ولا نحن نعمل وفق خطة وطنية تتمثل أساساً بتغيير الواقع بناء على المصلحة الوطنية بما في ذلك خلق حقائق على الارض تتجاوز ما تجيزه سلطات الاحتلال، من قبيل تفعيل العمل الأمني بشتى السبل دون انتظار المصادقة الأمنية حتى لو عملت الأجهزة بلباس مدني، والتعاون مع المجتمع من خلال انشاء لجان شعبية مناطقية لمتابعة موضوع الأمن في المجتمع سواء أكانت تطوعية ام توظيفاً جزئياً، على اعتبار ان تحقيق الأمن مصلحة وطنية ومصلحة فردية لكل مواطن، وهذا يسمح بحراك شعبي يمكن ان يفيد بالتصدي لاعتداءات المستوطنين في المناطق التي تتعرض لعدوانهم.
نحن فشلنا بامتياز في قطاع غزة عندما سمحنا بضياع الأمن وحصول الفوضى وانتشار الجريمة وتهديد أمن المواطن والسلطة على السواء، وكانت النتيجة كارثية على قضيتنا وعلى شعبنا جرى فيها انقلاب وتكرس انقسام يتعمق يوماً بعد يوم بين شقي الوطن، ولا نستطيع اليوم بمواقف كل الأطراف ان نتقدم خطوة واحدة على طريق إنهاء الانقسام، وهناك شكوك جدية أصلاً في وجود نوايا حقيقية وارادة فعلية لتوحيد الوطن والمؤسسة السلطوية وحتى تفعيل وتنشيط وإعادة تشكيل منظمة التحرير ومؤسساتها، في ظل التمزق الذي نعيش.
والخشية ان نكون قد فشلنا في مناطق «ب»و «ج»، وتتحول هذه مع الوقت الى دفيئة لتفريخ التطرّف على شاكلة «داعش» وغيرها من الحركات والمنظمات التي تدمر المجتمع. ومن ينظر اليوم الى اوضاع مناطق مثل كفر عقب وسمير أميس والرام يمكن ان يدرك حجم الكارثة والمأساة  التي تحدق بسكان هذه المناطق مع انتشار الجرائم.
والسياسة الإسرائيلية التي تدفع معظم الضفة الغربية الى ممر شارع قلنديا المزدحم، وتساعد على ترحيل وهجرة المقدسيين الى خارج جدار الفصل العنصري، وتصدير الجرائم والمصائب الى مناطق السلطة الفلسطينية، لا تتورع عن تزويد هذه المناطق بالسلاح او غض الطرف عن وجود السلاح بشكل كبير فيها، بدليل ان حفلات الاعراس في مناطق ضواحي القدس خلف الجدار لدينا أشبه بجبهة حربية تطلق فيها الأعيرة النارية من مختلف انواع الأسلحة، دون تدخل من الجانب الاسرائيلي الذي يتحمل المسؤولية الأمنية في هذه المناطق. ولو كان الامر يتعلق بخلية مقاومة مسلحة لرأينا كيف تجتاح سلطات الاحتلال المنطقة.
تضاف الى ذلك المأساة التي يعيشها البدو الذين يتنقلون طوال الوقت بسبب هدم مساكنهم وترحيلهم وتحويل حياتهم الى جحيم من عدم الاستقرار والترحال، وتهديد معيشتهم البسيطة التي تعتمد على تربية الماشية والعمل في الزراعة.
لربما تكشف النقاشات التي دارت في المؤتمر حجم مشكلة الأمن في مناطق تخضع لسيطرة اسرائيل الأمنية، واهمية توفير الأمن فيها، ولكن تبقى مسألة المشروع الوطني بكل ابعاده هي القضية، ويبقى موضوع الانقسام وترتيب البيت الداخلي عنواناً جوهرياً للعمل من استعادة زمام المبادرة، فمن يضحي بوحدة الوطن ووحدة الشعب لن يكون قادراً او مؤهلاً لحل قضايا قد تكون اقل شأناً، ولكنها تصب في زاوية المصلحة الوطنية العليا بعناوينها الكبرى.