صدر للكاتب المتوكل طه كتاب جديد بعنوان " أيام خارج الزمن – نصف قرن من الدم والحِبْر " عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمّان.
ويشتمل الكتاب على سيرة الكاتب من خلال مسيرة شعبه الفلسطيني ، على مدار نصف قرن ، أضاءت الكثير من الأحداث الكبرى ، بدءاً من النزوح العام 1967 ، مروراً بطفولة الفلسطينيّ التي هجّرها الإحتلال ، وأيام الدراسة ، فالجامعة ، وما شهدته حقبة السبعينيات من صعود وطنيّ أرهص للانتفاضة الأولى ، بكلّ تفاصيلها العبقرية الجسورة ، وقبل أن يتمّ اعتراضها باتفاقيات أوسلو ، التي أعطتهم كلّ شيء وأبقتْ لنا الحسرات ! وصولاً إلى منمنماتٍ يومية ، عكست مقطعاً عميقاً للحياة في مدينة القدس ، وانتهاءً بتصوير حقبة العذاب الممضّ الذي عاشه الفلسطيني في المعتقلات وأيام الاجتياح والانقلاب على كلّ ما تمّ الاتفاق عليه ، واستباحة المبادئ والمواثيق .. ويختتم الكتاب بشهادة عملت على تبيان الأرضية الراسخة التي نهضت عليها الثقافة الفلسطينية وحركة الأدب الفلسطيني داخل الوطن ، مشفوعاً برؤية تحاول استشراف المستقبل .
ولإنّ الذّاكرة لا تُؤمَر، لإنّها تتدفّق مثل نبعٍ فتيّ .. فتجري، وتتّخذ لنفسها مسرباً، سريعاً ما يصبح مجراها، من الانطلاق إلى المَصبّ.. فقد كشف الكاتب في هذا الكتاب أسراراً وخفايا تُقال لأول مرّة ، مثلما قدّم تفسيرات وتوضيحات جلت العديد من الأسباب الكامنة وراء ما جرى في فلسطين ، وولج إلى أخصّ الخصوصيات في غير مرحلة من السنوات الخمسين التي غطّاها الكتاب . باختصار إنه كتاب كاشف ومفاجئ وجريء .. وغير متوقَّع !
وقد اعتمد الكتاب على قاعدة أن السِيرة الحقّة هي غير المُنقّاة أو المُغربلة أو المُنْتقاة، بل تلك التي تفرد بساطها وتضع كل بضاعتها، ليرى المُتلقّي المشهد من أوّله إلى آخره، وليتمكّن من تفكيك الأسباب والمرجعيات والدوافع، التي كانت وراء كلّ فعل، مهما بلغت غرابته وحدّته، والصدمة التي يُحدِثها، خصوصاً أنّ لدى كلِّ واحدٍ منا من الأسرار ما لا يُعدّ، وما لا يُمكن قوله .. ما جعل هذا الكتاب وثيقةً تعكس الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري، في فلسطين من 1967 إلى 2017.. كما عمل على تأصيل روايتنا، التي مهما كانت شخصيةً ذاتيةً، فإنّها تظلّ سيرةً عامةً؛ لصعوبة فصم الخاص عن العام، وتداخلهما في وضعنا المعيش، وحتى لا تظلّ ذاكرتنا عُرْضةً للفناء والعذرية والعدم، ولأن المعاناة بصمتٍ تُعمّقها، وعلى العالَم أن يعرف ، كما قال المؤلّف .
وسّيرة الكاتب ، وإنْ بدَتْ كأنّها تتحدّث عن الماضي، فإنها تتغيّا المستقبل، لأنّ أيّ شخص لا يمكن أن يربح سِباقاً وهو ينظر إلى الوراء. والماضي ليس ماضياً، إنّه يلعب بين موائدنا .. كما جاء في الكتاب .
ولم يتقيّد الكاتب بنمطٍ كتابيٍّ جاهز، ولم ينتهج مسرباً متوقَّعاً، بقدر ما كتب ما ورِد على خاطره، دون التزامٍ مُبرمَجٍ بالتتابع الزمنيّ ، أو بتسلسل الأحداث، لأنه كما أشار : "لا أؤمن بشكلٍ أدبيٍّ نهائي ينبغي اعتماده عند كتابة السيرة، فلكلّ سيرةٍ نكهتها وحمولتها وطرائقها في القول. وأعتقد أنّ السيرة تحتمل شيئاً من الفنتازيا والخيال، مثلما يصحّ كتابتها بأسلوبٍ أقرب إلى الشِّعر أحياناً، وأن تستعين بكلّ الأشكال الأدبية، من مقالٍ وقصةٍ وسردٍ وحوارٍ وسيناريو وتشكيلٍ، وتعجنها بعضها في بعض، وتقدّم مُنتَجك الخاص."
وجاء في مقدمة الكتاب : " وهنا أسعى إلى استعادة تمائم البلدة وأضعها حول عنقي، وأرقب الشمس التي غابت وبزغت في بلدة ثانية، ليصحوَ أهلها ويمضوا إلى حقول الكلام! وأكون على يقينٍ بأني لن أرى يوماً يشبه آخر.
وباعتقادي؛ فإنّ أي كتابٍ أدبيٍّ لا يكاد يخلو من " سِيرةٍ " ما، عداك عن أنّ معظم كبار المبدعين تركوا سيرهم، كأنهم يُكثّفون أيامهم بين دفَّتَيْ كتاب، ويجمعونها لتختصر عمرهم من بدايته إلى نهايته، على الرغم من أنّ المبدعين لا يموتون تماماً، ذلك أن موتهم مجازيّ، وأنهم باقون ما دام إنتاجهم يسعى بيننا".
وقد جاء الكتاب في ثلاثمئة وست وعشرين صفحة من القطع المتوسط ، وهو الإصدار السادس والأربعين للشاعر والأديب الفلسطيني المتوكل طه .