ما كتبته السائحة - عارضة الأزياء الإيطالية عن زيارتها للأردن، وما عانته خلال 48 ساعة فقط، من غش واستغلال، هو فضيحة لكنّها معروفة لدينا، ونسكت عليها، ونتجاهلها، وكأنّنا نتفاجأ بهذه السلوكيات المخجلة، بينما نحن نعرف تماماً أنّها عامة، وليست استثنائية، وقبل ذلك كانت فضيحة "البطيخة" في مطعم في البترا!
هذه الفضائح هي التي تحدّث أصحابها، بينما لو قُدّر للآخرين أن يتحدثوا لكنّا أمام عشرات الآلاف من الفضائح بقدر أغلبية السياح الأجانب، الذين يأتون إلى البلاد، فهل أتجنّى وأجور في هذا الكلام على قطاع السياحة؟!
كنتُ كتبتُ سابقاً، كما كتب زملاء آخرون، عن أوضاع البترا وغيرها من مدن، عن البنية التحتية غير الصالحة، وعن المرافق وغيرها من خدمات بدائية غير صالحة للاستعمال البشري، وعن الإهمال، فجاء بعد ذلك ردّ من مفوضية إقليم البترا مسكون بحالة الإنكار والتجاهل، والتبرير السطحي، بينما من يزور البترا يشاهد المرافق مهملة غير صالحة، وفي أوقات عديدة مغلقة، والنظافة في الحدّ الأدنى، وذكرتُ مثالاً حينها على السياح الأتراك إلى بيت المقدس، وما أخبرني به حينها سفيرنا في تركيا من معاناته وجهوده التي ذهبت هدراً من أجل استقطابهم للأردن، ثم أصبحوا ينصحون بعضهم بعدم الذهاب إلى الأردن لافتقاره للخدمات والمرافق الرئيسة للسياح!
على أيّ حال، كل ما سبق كُتب عن مشكلة "البنية التحتية" في قطاع السياحة الأردني، بخاصة المدن الأثرية والتاريخية المهمة، لكن ما لم يذكر ويحتاج إلى نقاش معمّق، ويقع على الدرجة نفسها من الأهمية، بل أكثر، هو موضوع "البنية الفوقية" في مجال السياحة، أي الثقافة والقيم والعقول البشرية والعمّال والموظفون المرتبطون بهذا القطاع، وموضوع تأهيلهم وتدريبهم مهنياً وثقافياً، وكذلك القطاع الخاص المرتبط بهذه الصناعة المظلومة أردنياً!
لو تجاوزنا السيّاح الأجانب والعرب، وذكرتُ لكم قصصاً وقعت معنا نحن "السيّاح الأردنيين"! فإنّها ترقى أيضاً إلى درجة الفضائح، خلال تلك الزيارة إلى البترا، فكّرنا بشراء بساط جميل معروض في أحد المحلّات التجارية على أبواب المدينة القديمة، فسألته زوجتي عن السعر، فأجاب فتى صغير يجلس في المحل بأنّه غالٍ وليس رخيصا، وأنّه ليس لك بل للسياح الأجانب، ولمّا ألحّت عليه: أجابها بأنّه 500 دينار، على ما أذكر، فقالت له: لماذا وهو صناعة مستوردة وغير أصلية، فقال: لكنّنا نضحك على السياح ونخبرهم بأنّه أصلي، ولما سألته عن السبب: جاءنا الجواب الصادم: لأنّهم كفّار!
هذا نموذج بسيط من الكارثة السياحية في بلادنا! صحيح أنّنا نتحدث عن الثقافة، وهي مسألة لا تدخل في صلب عمل الحكومة، لكن الثقافة تحتاج إلى تغيير وتطوير وتأهيل، والعقليات بحاجة إلى تدريب، وهذه مسؤولية الدولة، بأن تضع مساراً وخططا استراتيجية لتطوير الثقافة والمجتمع المحلي المحيط بتلك المدن، وغرس القيم والثقافة والمفاهيم الصحيحة لديه، ومراقبة هذا الأداء، ومن غير ذلك فلن تتطور لا البنية التحتية ولا الفوقية!
من المفترض أن السياحة هي الثروة العظيمة للأردن، والهبة التي تتجاوز في قيمتها العملية أي ثروات أخرى، لأنّها كفيلة بتحريك عجلة الاقتصاد في المجتمع، لكنّنا فشلنا فيها فشلاً ذريعاً، لا تنظروا إلى ما نفقده من سياح أجانب، بل الى الأردنيين الذين يفضّلون دفع مبالغ كبيرة للسياحة في الخارج، ما يصل إلى مئات الملايين سنوياً، ولو وفرنا البيئة الداخلية المناسبة والبنى الفوقية والتحتية لكان الأردنيون وحدهم كفيلين بإحداث طفرة بنيوية في هذا القطاع الحيوي!
لو كنتُ صاحب قرار لقلبت حالة الوزارات؛ فجعلت السياحة والتعليم والعمل هي الوزارات السيادية، لانّها رأس مالنا الحقيقي المهدور!
عن الغد الأردنية