خدعة أميركية جديدة..!

أكرم عطا الله.jpg
حجم الخط

قبيل زيارة الوفد الأميركي لرام الله نهاية الأسبوع الماضي كان هناك ما يشبه التشاؤم من هذه الزيارة وأنها ستضاف إلى سلسلة الزيارات الفاشلة التي سبقتها، بل أن بعض الأصوات في رام الله طالبت بتغيير جيسون غرينبلات مبعوث الرئيس ترامب، فقد كانت السلطة قد وصلت إلى قناعة بأن الوفود الأميركية التي تزور المنطقة ليست أكثر من ساعي بريد للشروط الإسرائيلية وأنهم يتحدثون بلسان نتنياهو.
في لقائه مع رئيسة حزب «ميرتس» زهافا غلئون قال الرئيس الفلسطيني غاضبا، «إنه التقى الوفود الأميركية عشرين مرة وأنه لم يعد يفهم كيف يديرون ويعالجون ظروف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي» وقد نقلت غلئون أجواء الإحباط التي تسود المقاطعة من الطواقم الأميركية وذهبت بعيدا عندما قالت في لقاء مع إذاعة «غاليه تساهل» إنها وجدت الرئيس الفلسطيني مختلفا وبدا على غير عادته وغير دبلوماسي وكان مباشرا في أقواله وتعبيره.
وسط هذه المناخات السلبية جدا والتي تشي بخذلان الإدارة الأميركية الجديدة للفلسطينيين وخصوصا بعد اللقاء الحاد بين الرئيسين أبو مازن وترامب في بيت لحم بعد أن تم شحن الرئيس الأميركي في تل أبيب ليتهم نظيره الفلسطيني بالتحريض، بدا واضحا أن الأميركيين ليسوا معنيين بالملف وأن تدخلهم ليس أكثر من صدى لصوت بنيامين نتنياهو، وأن أكثر ما يريدونه من المنطقة بحسبة الإدارة الجديدة التي يترأسها رجل قادم من عالم المال هو صفقات اقتصادية تجلت في رحلته الأولى للمنطقة بحصاد مالي من السعودية تبخر بعدها الحديث نهائيا عن المؤتمر الإقليمي الذي كانت تنوي الإدارة الأميركية عقده في شهر تموز «أتذكرون؟» والخاص بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يعد عربيا.
مجموع ووجهة الصفقات وكذلك مجموعة اللقاءات العشرين وطبيعة تلك اللقاءات الاشتراطية وإلغاء ما تم الترويج له من مؤتمرات خلقت تلك المناخات السلبية لدى الفلسطينيين وبالتحديد لدى الرئاسة التي اعتبرت بعد لقاء آذار في واشنطن أن هناك فرصة وخصوصا بعد إشادة الرئيس الأميركي بنظيره الفلسطيني واعتباره شريكا وخصوصا بعد استجابة الرئيس الفلسطيني لبعض التصورات الأميركية التي حملها غرينبلات، كل ذلك أحدث ردة فعل لدى الرئيس أبو مازن الذي شعر بالخديعة ليبدأ باتخاذ مسار مختلف منذ أحداث الأقصى في تموز الماضي.
أجواء المقاطعة تراقبها الإدارة الأميركية جيدا وقد بدأت تكهنات كثيرة ومنها تسريبات كانت مدعاة للقلق لتلك الإدارة التي تريد وفقا لإرادة الحكومة الإسرائيلية إبقاء الوضع كما هو عليه أو عقيدة اللاحل كما وصفها بعض المراقبين. وقد وصلت بعض التكهنات أو التسريبات للحديث عن حل السلطة وبعضها أشار لخطوة الذهاب للأمم المتحدة لإعلان دولة فلسطين تحت الاحتلال يسبقها عقد مجلس وطني من الممكن أن يضع سقفا أعلى مما تريده الإدارة الأميركية وإسرائيل.
لم تختف التصريحات الفلسطينية المتشائمة من نشرات الأخبار وواجهات الصحف حتى انقلب الأمر مائة وثمانين درجة ليتحول فجأة اللقاء الذي كان محل تشاؤم فلسطيني إلى مدعاة كبيرة للتفاؤل إذ اعتبر الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أن هذا اللقاء أو الزيارة «هي زيارة مفصلية وهامة».
واشنطن بدورها لم تكن أقل استخفافا باللحظة وهي تدرك أنها كانت بحاجة إلى نوع من التهدئة وصفت اللقاء بأنه «كان مثمرا وقد ركز على كيفية بدء محادثات جوهرية للسلام الإسرائيلي الفلسطيني». وهي تدرك أن الحكومة الإسرائيلية القائمة قد أغلقت تماما مسار المفاوضات وللأبد، بل أن كوشنر نفسه أغدق في إرضاء الرئيس أبو مازن عندما قال، إن الرئيس ترامب يرسل للرئيس عباس أطيب تحياته وأفضل آماله، مضيفا، إن ترامب يشعر بالأمل والامتنان لجميع الجهود التي قدمتموها حتى الآن وممتن أيضا لهذه النقاشات والعلاقات» وزاد كوشنر أيضا أن ترامب متفائل جدا ويأمل بمستقبل أفضل للشعب الفلسطيني.
هكذا يبدو اللقاء الحادي والعشرون مختلفا عن اللقاءات العشرين السابقة، في هذا قدر كبير من السذاجة لمن راقب تجربة الأشهر الماضية وطبيعة تركيب العاملين في الملف الفلسطيني بدءا من جيسون غرينبلات الناطق باسم نتنياهو مرورا بحامل الرواية الإسرائيلية جاريد كوشنر وصولا لدافيد فريدمان السفير الأميركي في تل أبيب المؤيد للاستيطان والذي يعتبره شرعيا وهو الأكثر اندفاعا تجاه نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقد كان الاقتراب منهم خلال الأشهر الماضية سبب إحباط الجانب الفلسطيني وإيمانه بصعوبة التوصل لشيء من خلالهم خاصة مع وجود حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل ستنهار فيما لو بدأت مفاوضات ورئيس وزراء يخضع لتحقيقات آخر ما يريده هو بدء مفاوضات او تسوية تضعفه أكثر لدى اليمين.
لذا فإن التصعيد الذي بدأ يتضح في رام الله «مجلس وطني» و»خطاب في الأمم المتحدة» ينبغي تنفيسه بخديعة جديدة أغلب الظن أن لقاء الخميس الماضي نجح في ذلك، خديعة أميركية لمدة شهر تنتهي مع نهاية أيلول إذ يجري الحديث مع عقد المجلس الوطني منتصف أيلول وخطاب الأمم المتحدة دورة الأمم المتحدة في اجتماعها السنوي الذي يبدأ كما ينص النظام الداخلي يوم الثلاثاء من الأسبوع الثالث من شهر أيلول.
ثلاثة أسابيع هي المهمة خلال أيلول والتي كان من الممكن أن يذهب الفلسطينيون باتجاه أكثر تصلبا ومحرجا للجميع ولكن الأجواء الجديدة التي تمخض عنها اللقاء الأخير لا تستوي مع هذا الاتجاه .. فهل يجوز اتخاذ قرارات تصعيدية في المجلس الوطني مع الحديث عن مفاوضات وتحيات الرئيس ترامب للرئيس أبو مازن؟ وهل يجوز الذهاب للأمم المتحدة وإعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال مع بداية مفاوضات؟ بالتأكيد «لا» فإن ذلك يمنع مفاوضات مع حكومة نتنياهو .. إذ على القيادة الفلسطينية اتخاذ مسار أكثر اعتدالا حتى تنجح خديعة المفاوضات الجديدة وبعدها مع أول تشرين الأول ستعود الإدارة الأميركية بلغتها القديمة لغة إسرائيل بعد أن تكون قد تجاوزت هذا الشهر ولا يكون هناك متسع للفلسطينيين للتصعيد من جديد لذا فإن قراءة اللحظة تستدعي الاستمرار فلسطينيا بما لا تريده واشنطن للذهاب  للأمم المتحدة وإعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال.
كان ذلك سيجرح واشنطن التي لا تريد أن تمارس ضغوطات وتبدو في موقع مختلف .. ويجرح العرب الذين بدؤوا اتصالات بالرئيس أبو مازن لتمرير شهر أيلول لأنهم لا يريدون صداما مع واشنطن ولا خذلانا مكشوفا للفلسطينيين .. إذاً، الجميع متفق على التهدئة لأسابيع فقط .. يجب ألا يسقط الفلسطينيون مجددا في وهم جديد.!