صدرت مجموعة "عشّاق المدينة" القصصيّة، باكورة اصدارات الكاتبة المقدسيّة نزهة الرّملاوي في الأيّام القليلة الماضية. وتقع المجموعة التي حمل غلافها لوحة للفنّان شهاب القواسمي، وصمّمته رشا السرميطي في 155 صفحة من الحجم المتوسّط.
يشكلّ هذا الكتاب إضافة متميّزة لما كتب عن المدينة المقدّسة، مع التّأكيد على أهمّيّة كلّ ما يكتب عن القدس الشّريف، بوّابة السّماء، وجنّة الأرض والسّماوات، معراج خاتم النّبيّين ومهد السّيّد المسيح.وعودة إلى العنوان، "عشّاق المدينة" فهو عنوان لافت، فالمدينة وصف يطلقه أبناء الرّيف على أقرب مدينة إليهم، لكنّ القدس الشّريف هي عنوان التّمدّن في فلسطين التّاريخيّة، بل في بلاد الشّام كلها. وهذه المدينة التّاريخيّة مهوى أفئدة العرب مسلمين ومسيحيّين، ففيها المسجد الأقصى معراج الرّسول وأحد المساجد الثّلاثة التي تشدّ إليها الرّحال، وفيها كنيسة القيامة أشهر الكنائس المسيحيّة التي تحوي قبر السّيد المسيح حسب المعتقد المسيحيّ، إضافة إلى عشرات المساجد والزّوايا والتّكايا، والكنائس والأديرة والمقابر التّاريخيّة، إضافة إلى سورها العظيم الذي يزيد عمره على الخمسماية عام.
والقدس هي العاصمة السّياسيّة، الدّينيّة، الاقتصاديّة، الثّقافيّة، الحضاريّة لشعبها العربيّ الفلسطينيّ، وهي مدينة التّعدّديّة الثقافيّة التي شهدت تعاقب حضارات عليها.من هنا فإنّ القدس عشيقة الفلسطينيّين خاصّة والعرب عامّة، مسلمين ومسيحيّين، يحضنونها بقلوبهم وعقولهم وعيونهم.وواضح من خلال النّصوص التي كتبتها نزهة الرّملاوي، أنّ الكاتبة مسكونة بالقدس التي تسكنها، وهذا شأن كلّ من ارتاد المدينة متعبّدا أو زائرا، واستنشق نسيمها العليل، وتجوّل في حاراتها، أسواقها، أزقّتها، وشرب من مائها، واستنشق رائحة عبق تاريخها الذي لا يكذب.
والقدس مدينة تاريخيّة يزيد عمرها على ستّة آلاف عام، بناها اليبوسيّون العرب، ولم ينقطع الوجود العربيّ فيها يوما، مع ما تعرّضت له من غزوات واحتلالات ومذابح همجيّة عبر تاريخها.
المرأة في المجموعة القصصيّة: ركّزت الكاتبة في نصوصها على المرأة ومعاناتها بشكل لافت، فللمرأة الدّور الرئيس في هذه النّصوص، فهي الطفلة الحالمة، والزّوجة والجدّة التي تحمل همومها وهموم غيرها، وهي التي تضحّي من أجل غيرها. وكان لافتا في قصّة "ملكة" تلك الفتاة الجميلة التي عانت من إعاقة معيّنة، فاضطهدها الجميع، وفي مقدّمتهم أبوها، إلى أن توفيّت بصمت في كروم عنب الأسرة في الخليل، وقد تكون ماتت مسمومة بالمبيدات التي يرشّون بها أشجار العنب.التّصنيف الأدبيّ: أطلقت الكاتبة على نصوصها "مجموعة قصصيّة"، والقارئ لهذه النّصوص سيجد بعضا منها قصصا، في حين أنّ البعض الآخر عبارة عن مذكّرات،تستذكرها الكاتبة التي قد تكون هي نفسها تلك الطفلة التي كانت تحلم وتروي وتسرد وتحكي، وبعض من هذه النّصوص بوح يسكن دواخل الكاتبة المسكونة بالمدينة إلى درجة العشق والوجد.اللغة: لغة الكاتبة فصيحة بليغة، وفيها الكثير من المقاطع الشّعريّة.ملاحظة: سيجد القارئ لهذه القصص نفسه أمام متواليات سرديّة، لو تأنّت الكاتبة عليها قليلا، لقدّمتها على شكل رواية، ومن ينتبه لهذه السّرديّات التي لا ينقصها عنصر التّشويق سيجد أنّها مترابطة وقريبة كثيرا من السّرد الرّوائي.
ويلاحظ أنّ الكاتبة طرقت أكثر من موضوع يتعلّق بالقدس، فقد وصفت البيت والحوش المقدسيّ الذي تسكنه أكثر من أسرة، والأواني التي كانت تستعمل في هذا البيت، وتطرّقت إلى بيوت في القدس الغربيّة تمّ تهجير مالكيها منها في نكبة العام 1948، وأخرى في القدس القديمة هُجّر مالكوها في حرب حزيران 1967، وهدم البيوت ومعاناة المقدسيّين تحت الاحتلال، تجوّلت في حارات المدينة القديمة، ووصفت جوانب من واقعها المعاش في ستّينات القرن العشرين وما تلتها، "واستحضرت ذاكرة طفلة عاشت المرحلة، فشدها دفء الحارات، وحضن الجيران، ولمّة الأحباب، وأغان وتراتيل تنتشر كالبّخور في الأجواء" ص10، ويلاحظ أنّ الكاتبة طرقت أبواب الأعراس وسجّلت بعض الأغاني الشّعبية، ولم يفتها الحديث عن الحبّ العذريّ في مرحلة الصّبا بين الفتيان والفتيات في مرحلة عمريّة معيّنة، قد تكون بداية البلوغ والمراهقة، طرقت أبواب لقاء النّساء المقدسيّات وتجمعهنّ في بيت أحداهنّ يأكلن الحلويّات ويستمعن لأغاني مطربي تلك المرحلة. ولم يغب عنها أيضا حنين من هجّروا من المدينة بسبب ويلات الحروب، حنينهم لبيوتهم وأحبّتهم، واستذكار بعض من سقطوا إلى قمّة المجد شهداء وهم يدافعون عن مدينتهم.