تعاقب على حكم الولايات المتحدة الأمريكية رؤساء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، اختلفت زوايا الرؤية فيما بينهم لطبيعة حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ولكنهم لم تختلف جوهر الرؤية الذي يقوم على إدارة الصراع لا حله، وهو ما تحدثت عنه في وقت سابق وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون عندما قالت: عملية سلام وهمية أفضل ألف مرة من حالة الفراغ.
لم يختلف كثيراً الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سابقيه، وقد يفوقهم في الإعلان الصريح والواضح للانحياز الأمريكي لدولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث وصفت أطراف بالقيادة الفلسطينية الوفد الأمريكي الذي زار المنطقة عشرين مرة خلال فترة ولاية ترامب أنهم صهاينة أكثر من نتانياهو وليبرمان، وهم يحملون مطالب إسرائيلية لا حلول منطقية، وبذلك يبيعون الوهم على شعوب المنطقة بأن هناك عملية سلام، وأن التطبيع مع إسرائيل مسألة ضرورية تخدم السلام والاستقرار في المنطقة، من هنا تعمل الإدارة الأمريكية على أقلمة الصراع بدل تدويله لخدمة الأهداف الصهيونية التي تقوم على دمج إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، والتعاطي معها كحليف في مواجهة الإرهاب والطموح النووي الإيراني.
جاء كوشنير والوفد المرافق له للمنطقة خالي الوفاض، لا جديد سوى مزيد من المطالب والاشتراطات التي تعكس جهلاً حقيقياً لدى إدارة ترامب بالصراع الفلسطيني الصهيوني وبما يؤكد ما ذهبنا إليه سابقاً بغياب الاستراتيجية الأمريكية لإدارة ترامب لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكأن الإدارة الأمريكية تراهن على حالة الانقسام والضعف في الحالة الفلسطينية كمدخل للضغط على الرئيس عباس والشعب الفلسطيني لتمرير تنازلات تخدم نظرية الأمن الصهيونية وتهدر الحقوق الفلسطينية.
في ظل هذه البيئة يصبح أمام الرئيس محمود عباس أربعة خيارات للتعاطي مع التحديات التي تحدق بالقضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني وهي:
1. خيار المصالحة الوطنية وتصليب الموقف الفلسطيني.
لاشك أن تصليب الموقف الفلسطيني وانجاز الوحدة الوطنية، بموجبها يتم توحيد مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، والتأكيد على شرعياتها السياسية بالتوافق أو عبر الانتخابات من شأنها أن توفر حماية للرئيس عباس من الضغوط الإقليمية والدولية، والمناورة بورقة المقاومة الفلسطينية، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وهو ما سيعزز من حضور وقوة الرئيس عباس ومؤسساته السياسية في المحافل الدولية.
ويدعم هذا التوجه مرونة الرئيس عباس مؤخراً في التعاطي مع مبادرات المصالحة وقبوله لدمج موظفي قطاع غزة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية وعقد الإطار القيادي المؤقت بالإضافة لإجراء الانتخابات العامة مقابل أن تقوم حماس بحل اللجنة الادارية.
يضاف لذلك الجهود التركية في ملف المصالحة والتي من المحتمل طرحها خلال لقاء القمة الذي سيجمع بين الرئيس عباس وأردوغان في 28/8/2017م.
2. خيار المناورة وكسب الوقت.
تستمر التصريحات الدبلوماسية وعجلة الزيارات من الطرفين من أجل كسب الوقت، والمراهنة على تحولات دولية قد تخدم القضية الفلسطينية، وربما يدعم هذا الخيار جماعات المصالح المستفيدة من الواقع الراهن، وتريد بقائه أكبر مدة ممكنة.
3. خيار الفراغ السياسي وحل السلطة.
يستطيع الرئيس عباس قلب الطاولة في وجه جميع الأطراف من خلال إعلان المجلس الوطني في اجتماعه القادم عن خيار حل السلطة الفلسطينية في حال لم يوافق العالم على تدويل الصراع، ومنح العالم مدة زمنية للضغط على إسرائيل بالبدء بتنفيذ حل الدولتين. حالة الفراغ السياسي ستحرك العالم أجمع بما فيها الادارة الامريكية ولكنها تحتاج لقرار جماعي يكون جاهز لتحمل النتائج والتداعيات.
4. خيار التعاطي مع الطروحات الأمريكية.
قد تذهب القيادة الفلسطينية بعيداً وتقبل بالطرح الأمريكي، وتبدأ عجلة التنازل من قبل الرئيس عباس متسلحاً بالموقف العربي المهرول نحو التطبيع، وموقف جماعات المصالح التي تتاجر بالقضية الفلسطينية لخدمة أهداف وأجندات شخصية وحزبية.
الخلاصة: ينبغي العمل الجاد في توحيد الصفوف ومواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني هو أكبر ضامن للحفاظ على ثوابته وحقوقه المشروعة، ومن دون وحدة وطنية وبناء مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني على قاعدة الشراكة والديمقراطية لا يمكن مواجهة السياسة الأمريكية والصهيونية ووقف الهرولة لبعض الدول الاقليمية نحو التطبيع مع إسرائيل دون حل الصراع العربي الصهيوني.