02 حزيران 2015
بمناسبة زيارة وزير خارجية ألمانيا لقطاع غزة، أعلن مصدر مسؤول في حركة حماس، أن الحركة تأمل في أن تلعب ألمانيا دوراً يتناسب مع حجمها على المستويين الأوروبي والدولي لرفع الحصار عن غزة، هذا في الوقت الذي عادت فيه عيون «حماس» تتطلع مجددا، للبواخر التركية وغيرها، للعودة إلى ما كانت قد سعت إليه خلال عامي 2009، 2010، أي بعد الحرب الإسرائيلية الأولى الطاحنة على غزة، من محاولة كسر الحصار عن غزة، هكذا عبر هذا الطريق، الموازي لطريق نعتقد انه أكثر جدوى، لتحقيق المراد، وهو طريق الوحدة الداخلية وإنهاء الانقسام.
نحن نعتقد، وفي الحقيقة طالما اعتقدنا بأن مفتاح انتهاء الحصار، هو إنهاء الانقسام، لكن حركة «حماس» ما زالت تعتقد غير ذلك، وبعد ضغط السنين، وفي أسوأ لحظاتها، أي بعد سقوط نظام الأخوان في مصر، وبعد تدمير الغالبية الساحقة للأنفاق، وبعد أن خسرت حركة «حماس» حلفاء إقليميين مهمين، نقصد : إيران، سورية وحزب الله، أقصى ما ذهبت إليه، هو القبول بإنهاء شكلي أو خارجي للانقسام، مع تقاسم فعلي للسلطة، خاصة من زوايا مغانم السلطة، أي تحصيل عائدات الضرائب، ودفع مرتبات موظفيها في غزة، دون تدقيق أو مراجعة، وبذلك أبدت استعدادها للإعلان عن أن غزة باتت ضمن «ولاية السلطة المركزية أو الشرعية « فيما الحكم الفعلي في غزة، لـ «حماس» من خلال موظفيها بكل مستوياتهم المدنية والعسكرية .
وهكذا فان عجلة المصالحة أو إنهاء الانقسام راوحت مكانها، بعد مرور عام كامل على تشكيل حكومة التوافق، دون أن تتمكن هذه الحكومة من أن تقوم بمهامها في غزة، بل دون أن يستطيع الوزراء أنفسهم من دخول وزاراتهم!
التقارير الأممية تشير إلى أن الوضع في قطاع غزة، في غاية السوء، وان البطالة قد سجلت أعلى معدلاتها، كذلك الفقر، ونسبة العائلات التي تعيش على المساعدات الخارجية، كل هذا تجاوز أعلى المعدلات والنسب في العالم، لكن «حماس» ما زالت تسير على نفس الطريق، أي طريق المراهنة على كسر الحصار عبر مسار آخر غير مسار المصالحة وإنهاء الانقسام، كذلك ما زالت تراهن على مواجهة إسرائيل عسكريا، رغم كل ما تمتلكه إسرائيل من قدرات أمنية مهولة، ومن استعداد لسحق العدو، وإحداث اكبر قدر من التدمير والقتل، بدل الاهتمام بتنمية القطاع، ومحاولة توفير الخدمات العامة، من طرق وكهرباء، مستشفيات ومدارس، والأهم إعادة إعمار ما أحدثته ثلاث حروب سابقة من دمار وخراب شامل وعام.
فتح الأنفاق وصناعة الصواريخ، واستيراد الأسلحة، كل هذا يتطلب مبالغ مالية، الجوعى والعاطلون عن العمل والخدمات العامة في غزة هم أحوج لها وأولى بها، وكما يقول المثل الشعبي «اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع «، لكن من يحاسب «حماس»، أو بالأخص «القسام»، فضلا عن من يمكنه أن يفرض عليها المنطق وما فيه المصلحة الوطنية، وهي «ذان من طين وأخرى من عجين»؟!
نجدنا مضطرين بهذه المناسبة إلى أن نعيد ونكرر القول بأن إعادة تكليف بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بعد انتخابات الكنيست العشرين، قد أثار الارتياح في نفوس «حماس»، وربما حتى أن ضعف هذه الحكومة، المتمثل بكونها تستند لأغلبية برلمانية بسيطة، مقدارها نائب وحيد، يزيد من قيمة «حماس» وحكمها في غزة لدى هذه الحكومة، ولعل هذا ما أثار حنق افيغدور ليبرمان _الذي لم يفهم على ما يبدو كيف لنتنياهو أن يرفض الالتزام في خطوط حكومته العامة الرابعة، بنص يقول بإسقاط حكم «حماس» في غزة، لدرجة أن يضحي بشريكه في الحكم ليبرمان وحزبه «إسرائيل بيتنا» ويذهب لذلك الائتلاف الهش _ إزاء عدم وجود رد فعل على شق «حماس» لطريق محاذ للحدود الشرقية، وحتى عدم الرد على إعلان فتحي حماد، وزير خارجية الظل الحمساوية في غزة عن أن هذه الطريق هي لمواجهة عسكرية محتملة أو قادمة مع إسرائيل!
المهم أننا نعتقد بان حكومة نتنياهو الضعيفة، تحتاج إلى خشبة خلاص، وهذه تسعى إليها، على وجه السرعة، أي قبل أن يبدأ شركاء الحكومة الاقتتال على كعكة الحكومة، ولعل أفضل مخرج لها هو ذاك الذي يمكن أن تجده عند الطرف الآخر، لذا فقد سارع نتنياهو الذي أعلن بوضوح إبان الانتخابات رفضه حل الدولتين، والذي بسياسته في الملف الفلسطيني والإيراني قد ألحق أفدح الضرر بعلاقة إسرائيل مع السلطة الفلسطينية ومع البيت الأبيض، إلى طرح عدة اقتراحات منها الحل الإقليمي، ودعوته للبحث في حدود المستوطنات، في الوقت الذي يدفع فيه مباحثات ربما كانت غير مباشرة مع «حماس»، لدرجة أن رئيس دولة إسرائيل شرّع مثل هذه المفاوضات أو انه لم يحرمها، أي أن إسرائيل تقدم العصا والجزرة، وتلعب على الحبال الفلسطينية، وحيث أن الأوهام ما زالت تملأ رؤوس «حماس»، فإنها ابتعدت عن طريق إنهاء الانقسام، ولأن من يجرب المجرب فإن عقله مخرّب، لذا فإننا نظن بأن حصار غزة سيستمر، بما يتضمنه ذلك من احتمال اندلاع حرب جديدة تخفف الضغط عن « المتوافقين» منذ عام 1994، أي الليكود و»حماس»، هذا إن لم تشرع لهما مسار التفاوض بهدف التوصل إلى حل هنا، وتعليق للحل هناك، أي حلاً لغزة، يكون من شأنه _ كما أشرنا في مقال سابق _ أن يفرض الأمر الاحتلالي الواقع على القدس والضفة الغربية ويحرم اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة.